ياسين أخياط لـ مجلة صناعة المغرب: الاقتصاد الدائري هو الوعي الكوني القائم على الحفاظ على ثروات كوكب الأرض

يمكن توسيع دائرة مفهوم الاقتصاد الدائري إلى مجالات أخرى غير تدبير النفايات

0 770

مجلة صناعة المغرب/ رشيد محمودي 

قال البروفسور، ياسين اخياط، أستاذ جامعي بجامعة محمد الخامس – أكدال، إن المبدأ الأساسي من مفهوم الاقتصاد الدائري هو الأخذ بعين الاعتبار والوعي الكوني القائم على الحفاظ على ثروات كوكب الأرض في إنتاج مجموعة من المواد عبر العالم حتى لا يتم استهلاك كل الطاقات المتوفرة واستنزافها، موضحا أن هذا له تأثير مباشر على النقص الحاد المسجل في المواد الأولية، مقابل الارتفاع المتزايد للمواد الاستهلاكية.

 

وأكد ياسين أخياط، في حوار خاص لمجلة صناعة المغرب، أن يمكن توسيع دائرة مفهوم الاقتصاد الدائري إلى مجالات أخرى غير تدبير النفايات، مشيرا إلى أن تدبير النفايات وما يترتب عنه كاقتصاد يرتبط بما يسمى الاقتصاد التحويلي. بمعنى أن هناك مجموعة من الوظائف التي يمكن خلقها من التكنولوجيات المرتبط بهذا الاقتصاد، من قبيل تكنولجيات الحفاظ وحماية البيئة.

 

وأفاد الأستاذ الجامعي بكلية محمد الخامس- أكدال، . أن الاقتصاد الداري، يدخل فيه ما يصطلح عليه بـ “الذكاء المجالي”، يعني إلى أي حد يوجد ذكاء مجالي في منطقة جغرافية معينة، كالجماعات المحلية أو الجهات مثلا، بحث أن هذا الذكاء لا ينبع من المستوى المركزي وإنما من المستوى المحلي، في تدبير النفايات وتدبير الموارد الفلاحية او المعدنية او الطبيعية الموجودة في المنطقة.

 

ماذا نقصد بالاقتصاد الدائري؟

 

“الاقتصادي الدائري مفهوم مبني أساسا على إعادة استعمال المكونات الأساسية في الانتاج، أي كل المكونات الطبيعية أو المعدنية او البيولوجية وغيرها، سواء المتوفرة على كوكب الأرض عموما، أو الموجودة في منطقة جغرافية معينة لإدخالها في الاستهلاك أو في إنتاج مجموعة من المكونات الاقتصادية أو المنتوجات القابلة للتسويق والاستهلاك من طرف المستهلك بصفة عامة. وبعد مرحلة الاستهلاك الكلي أو الجزئي لهذه المنتوجات المحولة من صيغتها الطبيعية، يتم التخلص منها، إما بعد مدة قصيرة من الاستهلاك، كما هو الشأن للمنتجات الغذائية مثلا، أو مدة أطول، كما هو الشأن بالنسبة للمنتوجات الصناعية الثقيلة كالسيارات مثلا أو الطائرات إلى غير ذلك. بعد ذلك يتم تركها دون تحويل المواد التي تتكون منها ويتم استعمالها في منتوجات أخرى”.

 

“فالمبدأ الأساسي من مفهوم الاقتصاد الدائري هو الأخذ بعين الاعتبار والوعي الكوني القائم على الحفاظ على ثروات كوكب الأرض في إنتاج مجموعة من المواد عبر العالم حتى لا يتم استهلاك كل الطاقات المتوفرة حتى لا يتم استنزافها، وهذا له تأثير على النقص حاد المسجل في المواد الأولية، مقابل الارتفاع المتزايد للمواد الاستهلاكية. ويدخل في هذا الإطار ما نلاحظه مثلا مسألة استهلاك الماء الذي يطرح اليوم إشكالية كبيرة على المستوى الدولي”.

” الثقافة المغربية مبنية على تدبير الندرة بشكل كبير والثقافة المغربية بكل خصوصياتها وتنوعها قادرة على مواجهة المصاعب وتجاوزها”

 

هل منهجية الاقتصاد الدائري تقوم فقط على إدارة النفايات، بما فيها الجمع والفصل والتدوير وإعادة الاستخدام؟

“بالطبع، يمكن توسيع دائرة مفهوم الاقتصاد الدائري إلى مجالات أخرى غير تدبير النفايات، لأن تدبير النفايات وما يترتب عنه كاقتصاد يرتبط بما يسمى الاقتصاد التحويلي. بمعنى أن هناك مجموعة من الوظائف التي يمكن خلقها من التكنولوجيات المرتبط بهذا الاقتصاد، من قبيل تكنولجيات الحفاظ وحماية البيئة، بالإضافة إلى مجموعة من الكفاءات المطلوبة في هذا الاقتصاد على مستوى اليد العاملة، والتقنيين، والمهندسين، والمسيرين، وعموم مدبري هذا المجال. إذن على مستوى الموارد البشرية هناك تحول كبير وجب القيام به للنهوض بهذا الاقتصاد، هذا من جهة”.

 

“من جهة أخرى فمسألة تدبير المياه وتدبير المجال الفلاحي المرتبط بالاقتصاد الدائري من الأمور المهمة، حيث يمر الاقتصاد من مفهوم الانتاج الخطي أو ذو الاتجاه الأحادي، نحو مفهوم يأخذ بعين الاعتبار مسألة التغيرات المناخية، ويرتكز على المفهوم الأساسي للاقتصاد ألا وهو مفهوم الندرة. وهو ما يؤدي إلى أن كل القضايا تأتي بشكل طبيعي وتتمركز على مستوى الحياة العامة داخل التجمعات الإنسانية بصفة عامة، وعلى مستوى الدول والكيانات كذلك”.

 

ما هو تقييمكم لانتقال المغرب من الاقتصاد الخطي إلى الاقتصاد الدائري؟

 

“في تقديري أن المغرب لم يغير، إلى يومنا هذا، منظومته الاقتصادية المبنية أساسا على الاقتصاد الخطي بشكل المنتظر. فالاقتصاد الدائري له مكونات وله أسس وله أيضا استثمار كبير خاص به تقوم به الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات الاقتصادية والمواطنين أيضا، حتى نصل إلى مفهوم الاقتصاد الدائري أو نسبة كبيرة من الاقتصاد مبنية على الاقتصاد الدائري. والحال أننا لحد الساعة بعيدون كل البعد عن الأهداف الكبرى المنتظرة. صحيح هناك مجموعة من المبادرات ولكنها تبقى ضعيفة وقليلة على المستوى الترابي”.

 

” ليس هناك خطة طريق معتمدة. فخطة الطريق مرتبطة أساسا بخصوصية الدولة أو المنطقة الجغرافية المعنية”

هل تقليل الاستهلاك والإدارة المستدامة للموارد تدخل ضمن مخصص الاقتصاد الدائري كيف ذلك؟

 

“يمكن الإجابة على هذا السؤال إيجابا بنعم، وسلبا بلا، كيف ذلك؟ بحيث لا يجب تقديم مفهوم “تقليل الاستهلاك” على أنه المقابل لمفهوم “ترشيد الاستهلاك”. فترشيد الاستهلاك هو مبدا أساسي يجب التعامل به في جميع الحالات، وبالتالي فإن الوفرة لا تعني أبدا التهور في الاستهلاك أو التضخم فيه. فالاستهلاك في جميع بلدان العالم ينبني أساسا على ترشيد الاستهلاك بصفة. وهذا يعني توفير النقود اللازمة للاستهلاك حسب المستطاع وحسب الحاجة وحسب زمن الاستهلاك. وهنا يجب ربط المسألة بقضية التسويق، فما يصطلح عليه بمتخصصي التسويق على اختلاف مستوياته، الهدف منه الرفع من المبيعات بناء على استهلاك غير معقلن. ولكن هنا المسوقون ليسوا هم المسؤولون عن ارتفاع الاستهلاك، بل المسؤولية يتحملها المستهلك نفسه، لأنه هو الذي يقتني ويشتري.  أما المنتجين فإنهم يخضعون لمنطق العرض والطلب، ومن الإجحاف إنكار المجهود التسويقي لتوفير منتوجات مختلفة وتنويع العرض التسويقي. ولهذا يجب ربط الاستهلاك العقلاني لتكون منظومة حياة أكثر منها مبنية على تدبير الموارد لدى المواطن حتى يخصص جزءا للادخار وجزء آخر للاستهلاك في مثل الظروف الحالية المتميزة بارتفاع التضخم”.

 

العالم بأسره يمر من أزمة مياه مقلقة كيف يمكن للاقتصاد الدائري أن يساعد في التخفيف من استهلاك المياه الجوفية؟

 

” لا يجادل إثنان أن مسألة تدبير الموارد الجوفية من المساه كانت الشغل الشاغل للإنسان منذ ان وجد على وجه البسيطة. ولكن حينما يكون المشكل على غرار ما يعيشه المغرب اليوم بفعل ظاهرة الجفاف التي يعيشها، فيجب القول إن المغرب لم يعرف أي انقطاع المياه، رغم حالة الاستثناء هذه، وبالتالي كان الممكن عدم اللجوء لمخزون المياه الجوفية والاكتفاء بما يتوفر من المياه السطحية، من قبيل موارد الأودية والأنهار والسدود. فتدبير شان المواطنين يجب أن يكون أفعالا ملموسة وبالتالي توفير المياه والعمل على المدى المتوسط والبعيد بتدبير الازمة المناخية والاستجابة للمتطلبات الاقتصادية، الفلاحية منها والصناعية، عبر تقنية تحلية مياه البحر والاستثمار فيها ليكون المغرب نموذجا على المستوى الإقليمي والدولي في هذا المجال، كما هو معترف به منذ سنوات. كما يجب على المغرب بالموازاة مع ذلك توفير المياه الجوفية لتخفيف الضغط على السدود العليا المتواجدة في جبال الأطلس المتوسط والكبير وأيضا في سوس”.

 

ماذا نعني باعتماد عمليات إنتاج وأنماط استهلاك مستدامة؟

 

” يعني توفر بلد او منطقة جغرافية معينة على قدرة صناعية تستطيع استعمال نسبة كبيرة، ما بين 50 إلى 60 بالمائة، من النفايات الناتجة عن جميع أنماط الاستهلاك، الصناعية والفلاحية والمدنية والمائية، لتحويلها لاستهلاك ثاني أو ثالث ورابع. وهذا ما يصطلح عليه الاستهلاك المستدام أو المستمر. هنا يتم استعمال مجموعة من المواد الناتجة عن الاستهلاك الأولي لإعادة استعمالها واستهلاكها) المواد البلاستيكية، المعدنية، الورقية، والمساه، وغيرها)”.

 

ماهي خطة الطريق المعتمدة نحو الاقتصاد الدائري التي تضمن الحفاظ على قيمة المنتجات والمواد والكيماويات والموارد في الاقتصاد بأعلى فائدة وقيمة لأطول فترة ممكنة؟

 

“ليس هناك خطة طريق معتمدة. فخطة الطريق مرتبطة أساسا بخصوصية الدولة أو المنطقة الجغرافية المعنية. فالاقتصاد الدائري يدخل فيه ما يصطلح عليه بـ “الذكاء المجالي”، يعني إلى أي حد يوجد ذكاء مجالي في منطقة جغرافية معينة، كالجماعات المحلية أو الجهات مثلا. بحث أن هذا الذكاء لا ينبع من المستوى المركزي وإنما من المستوى المحلي، في تدبير النفايات وتدبير الموارد الفلاحية او المعدنية او الطبيعية الموجودة في المنطقة. في هذا الحالة الاقتصاد الدائري وسيلة للإنتاج فنفترض وجود استهلاك غير نهائي، يشكل فرصة لإنتاج مواد أخرى يجب تدبيرها على المستوى المحلي. فإذا كانت هناك مؤسسات محلية قادرة على إنتاج مواد يمكن تسويقها وبيعها للفرقاء الاقتصاديين، إن كانوا موجودين بالفعل، ففي هذه الحالة تكون وسائل إنتاج أخرى. الملاحظ أن هناك مجالات أو مناطق جغرافية تستطيع استهلاك ما تنتجه، وتنتج ما تستهلك. في المقابل هناك مجالات ومناطق أخرى لا يمكنها القيام بذلك لا حاليا ولا مستقبلا”.

” مفهوم الاقتصاد الدائري هو الأخذ بعين الاعتبار والوعي الكوني القائم على الحفاظ على ثروات كوكب الأرض”

لكل بلد خصوصيته أو بالأحرى كل منطقة تتميز بخصائص استثنائية بالنسبة للمغرب كيف يساهم الاقتصاد الدائري في حماية البيئة؟

 

” مثلما أشرت سابقا لكل منطقة جغرافية خصوصياتها البشرية والثقافية، وما وقع بالمغرب هو انسلاخ الفكر المغربي الذي بنى عليه المغاربة ثقافتهم منذ عصور والقائم أساسا على مبدأ “تدبير الندرة”. ففي الثقافة المغربية، مثلما هو الحال في الثقافة الأمازيغية خصوصا، والثقافة البدوية عموما، تدبير الشأن العام مرتبط بتدبير الندرة خصوصا في المناطق الجبلية الناطقة بالأمازيغية، من قبيل “إكودار” بمنطقة سوس، والمخازن بإفران بالأطلس المتوسط وإيموزار كندر والمناطق المتاخمة لجبال الريف التي كانت تقوم بتدبير الندرة على مر التاريخ. وهنا نرى بشكل آخر إعادة استهلاك منتوجات سبق استهلاكها، مما يعني أن ذلك كان نمط حياة كان متواجدا منذ قرون في مناطق البحر المتوسط التي تتوفر على ثقافة تدبير الندرة وتدبير شانا بذكاء مجالي وثقافي تدرج عبر عصور ليصل إلى ما وصل إليه. غير أنه منع توالي الهجرات من البوادي إلى المدن، ومع تعرض هذه المناطق للاستعمار الأجنبي، برزت منظومات اقتصادية جديدة، خصوصا النظام الرأسمالي القائم على الوفرة في المنتوج وكثرة الاستهلاك، فقدت ميكانيزمات تدبيرية سابقة كانت سائدة في هذه المجتمعات ترتب عنها ترسيخ أنظمة اقتصادية واستهلاكية مخالفة تماما لما كان يميز هذه المناطق، في المغرب وفي شمال إفريقيا بصفة عامة. فالثقافة المغربية مبنية على تدبير الندرة بشكل كبير، والثقافة المغربية بكل خصوصياتها وتنوعها قادرة على مواجهة المصاعب وتجاوزها، فالجفاف من مميزات البلاد، وتدبير المياه يدخل في ثقافة المغاربة، بل ونقلوه تقنياته إلى الأندلس، والدليل على هذا خطارات مدينة مراكش ومعلمة المنارة كرمز من رموز التدبير.  وفي تقديري إذا كان هناك ما يستحق أن يرمز إلى تدبير الموارد الطبيعة يجب أن تحتضنه مدينة مراكش، التي تميزت عبر العصور بتدبير مواردها وشؤونها ومحيطها، بباديتها المتنوعة وأنماطها المختلفة. ولا يجب أن ننسى أيضا أن كل وسائل نقل الموروث الثقافي سابقا، سواء من خلال القبيلة أو الأمهات لم يعد قائما اليوم. فللمدرسة اليوم دور مهم في تغيير مفهوم تدبير الشأن العام عبر الاقتصاد الدائري الذي كان يتميز به المغرب في ثقافته قبل أن يأتي به الغرب من خلال مفهوم الليبرالية”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.