بذكريات 1998 وطموحات 2026… قرعة المونديال تعيد التاريخ وتفتح أبواب الأمل

0 33

أفرزت قرعة كأس العالم 2026، التي جرت أمس في الولايات المتحدة، مجموعة تحمل الكثير من الرمزية لمنتخب المغرب، بعدما وضعته مجدداً في مواجهة البرازيل واسكتلندا، في مشهد يكاد يكرر حرفياً سيناريو مونديال فرنسا 1998.

وهكذا، وجد المغاربة أنفسهم أمام مجموعة تبدو على الورق صعبة، لكنها في الوقت ذاته تمنح هامشاً واسعاً لإعادة كتابة تاريخ جديد، لا سيما في نسخة موسعة تضم 48 منتخباً وتفتح الباب أن أمكن أمام تأهل ثلاثة فرق من كل مجموعة إلى الدور الموالي.

منذ اللحظة الأولى لإعلان المجموعة، عاد إلى الأذهان ذلك الصيف البعيد قبل سبعة وعشرين عاماً، عندما قدّم المغرب واحداً من أجمل عروضه في كأس العالم.

في 1998 خسر المنتخب أمام البرازيل لكنه قدّم مباراة بطولية، قبل أن يوقع انتصاراً تاريخياً على اسكتلندا بثلاثية لا تزال محفورة في الذاكرة الجماعية للمغاربة.

واليوم، يجد “أسود الأطلس” أنفسهم على موعد مع سيناريو يكاد يكون مطابقاً، وكأن القدر يعيد ترتيب الأوراق لمنح الجيل الحالي فرصة لمصالحة الماضي وإنصاف الحاضر.

ومع توسيع نظام البطولة، تتحول الصعوبة إلى فرصة، فالتأهل لم يعد حكراً على صاحبي المركزين الأول والثاني، بل أصبح ممكناً أيضاً للفرق التي تنهي دور المجموعات في المركز الثالث، وهو ما يمنح المغرب أفقاً تكتيكياً أوسع لتدبير مبارياته الثلاث.

غير أن هذا الهامش لا يقلل بتاتاً من قوة المنافسين، خصوصاً البرازيل، التي رغم فترات التذبذب تبقى واحداً من أكثر المنتخبات استقراراً وامتلاكاً للعمق البشري.

أما اسكتلندا، التي يصفها المحللون عادة بالفريق العنيد، فتبدو اليوم أقوى مما كانت عليه قبل عقود، بفضل جيل قادر على خلق المتاعب عبر القوة البدنية والالتزام التكتيكي.

في المقابل، تظل هايتي ورقة مجهولة، وهو ما يجعل التعامل معها يتطلب أعلى درجات التركيز وعدم الوقوع في فخ الاستصغار، إذ إن المنتخبات التي تلعب بلا ضغط كثيراً ما تكون هي مصدر المفاجآت الكُبرى.

في خضم هذه المعطيات، يبرز سؤال رئيسي: ما هي حظوظ المغرب؟

الواقع أن المنتخب المغربي يدخل هذه النسخة بصورة تختلف كلياً عن نسخ سابقة، فقد أضحى رقماً صعباً في الساحة العالمية منذ إنجازه التاريخي في قطر 2022، حيث أثبت أن الأداء الفعال لا يحتاج إلى أسماء خارقة بقدر ما يحتاج إلى تنظيم ورؤية وشخصية.

ومع تحسن التجربة، وتراكم الثقة، وتطور اللاعبين في مختلف الدوريات الأوروبية، تبدو الظروف مهيأة لتقديم بطولة قوية، شريطة أن يحافظ المنتخب على صلابته الدفاعية وتوازنه الذهني في مواجهة الضغوط.

وتزداد رمزية هذه المجموعة بفعل المفاجآت التي عرفتها القرعة، فالتقاء المغرب والبرازيل واسكتلندا من جديد لم يكن مجرد صدفة رياضية، بل حدث شدّ انتباه المتابعين حول العالم، حتى إن بعض الصحف العالمية وصفت الأمر بأنه “نسخة حديثة من الماضي” واعتبرت أن القدر قرر إعادة اختبار المغرب في المجموعة نفسها، لكن بقياس جديد يتماشى مع مرحلة جديدة يعيشها المنتخب.

وعلى الرغم من أن البرازيل تبقى المرشّح التقليدي لتصدر المجموعة، إلا أن مشوار التأهل يظل مفتوحاً على احتمالات واسعة.

فالمغرب قادر على خلق الفارق أمام اسكتلندا وهايتي، وربما مفاجأة البرازيل إن تهيأت الظروف، ويكفي أن يكرر المنتخب جزءاً من روحه القتالية في 1998 وروحه التكتيكية في 2022، ليحجز مكاناً في الدور الثاني بثقة كبيرة.

ومما يزيد من تفاؤل الشارع الرياضي المغربي أن المنتخب بات اليوم أكثر نضجاً، مع مدرب يعرف جيدا كيفية التعامل مع المنتخبات الأوروبية واللاتينية، ولاعبين اجتازوا تجارب كبرى في المحافل الدولية.

ومع دعم جماهيري متنامٍ، سواء في المغرب أو في أمريكا حيث توجد جالية مغربية كبيرة، قد يجد المنتخب نفسه في بيئة محفزة ترفع من حظوظه في كل مباراة.

إن هذه القرعة، رغم صعوبتها الظاهرة، قد تكون مدخلاً لكتابة فصل جديد في مسار “أسود الأطلس”، خاصة أنها تحمل من التاريخ ما يكفي لتغذية الطموح، ومن الحاضر ما يكفي لتعزيز الثقة، ومن المستقبل ما يكفي لإيمان المغاربة بأن فريقهم قادر على الذهاب بعيداً.

وهكذا، فإن مجموعة المغرب في مونديال 2026 ليست مجرد مجموعة، بل قصة ممتدة بين الأمس واليوم، بين ذكريات المجد ورغبة العودة إليه، وبين قرعة تشبه القدر وفرصة تُشبه الحلم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.