المغرب يرفع قدرة سد محمد الخامس إلى مليار متر مكعب بحلول 2026
في ظل الضغوط المتزايدة على الموارد المائية بجهة الشرق، يبرز مشروع تعلية سد محمد الخامس كأحد أكبر الأوراش الوطنية المفتوحة، الرامي إلى تأمين الاحتياجات الحيوية للساكنة والقطاع الفلاحي، وضمان قدر أكبر من الصمود أمام تقلبات المناخ. فالسد، الذي يشكّل منذ أكثر من نصف قرن ركيزة أساسية للتزويد بالماء بالمنطقة، لم يعد اليوم قادراً على مواكبة الطلب المتنامي بعد التراجع الكبير الذي عرفته حقينته خلال العقود الأخيرة.
منذ دخوله الخدمة سنة 1967 بطاقة استيعابية بلغت 730 مليون متر مكعب، شهد السد تراجعا تدريجيا في مخزونه، ليستقر في حدود 165 مليون متر مكعب فقط خلال السنوات الماضية. هذا التدهور دفع وزارة التجهيز والماء إلى إطلاق مشروع ضخم لتعلية السد، انطلقت أشغاله في أبريل 2021، بهدف إعادة إحياء دوره الاستراتيجي في تأمين الموارد المائية.
الحسين با أحمد، المسؤول عن المشروع بالمديرية العامة لهندسة المياه، يؤكد أن تقدم الأشغال بلغ مع نهاية نونبر 2025 حوالي 66.5%، على أن يعرف المشروع نهايته في شتنبر 2026، مشددا على أن هذا الورش لا يقتصر على رفع علو السد فقط، بل يُعيد صياغة دور المنشأة برمتها في المنظومة المائية الجهوية والوطنية.
ويشرح با أحمد أن المشروع يستهدف أهدافا متعددة: حماية المنطقة من مخاطر الفيضانات، تعزيز إمدادات مياه الشرب والسقي، والمساهمة في إنتاج الطاقة الكهرومائية. وقد خُصص له غلاف مالي يصل إلى مليار وسبعمائة مليون درهم، ما يعكس مكانته ضمن البرنامج الوطني للماء. وتعتمد عملية التعلية على تقنية “الخرسانة المدكوكة”، التي ستمكّن من رفع منسوب السد بـ12 متراً، لترتفع سعته التخزينية إلى 981 مليون متر مكعب عند اكتمال الأشغال.
ويبرز المسؤول أن كافة العمليات الهندسية والأشغال تُنفّذ بكفاءات مغربية خالصة، سواء على مستوى الشركات المنجزة أو مكاتب الدراسات ومختبرات مراقبة الجودة، وهو ما يمنح المشروع بعداً إضافياً من حيث تثمين الخبرة الوطنية في مجال البنيات المائية الكبرى.
غير أن الوضعية الحالية للسد تترجم بوضوح الحاجة الملحة لهذا المشروع. ففي تصريح آخر، يوضح عبد الرحمن عدلي، رئيس سد محمد الخامس، أن المخزون الحالي لا يتجاوز 34 مليون متر مكعب، أي بنسبة ملء لا تتعدى 18%، مقارنة بحوالي 120 مليون متر مكعب مع مطلع سنة 2025. ويشير إلى أن السد عمل، رغم تراجع موارده، على تزويد المنطقة بالماء الصالح للشرب والري، حيث تم تفريغ ما يقارب 148.8 مليون متر مكعب خلال العام نفسه.
ويصف عدلي هذا المستوى المتدني من الملء بأنه “مبعث قلق حقيقي”، في ظل الارتفاع المتنامي في الطلب على المياه، معربا عن أمله في أن تحمل الأسابيع المقبلة تساقطات مطرية تساعد على تحسين مستوى الحقينة وتخفيف الضغط على السد.
ويرجع عدلي الانخفاض الحاد في السعة التخزينية إلى تراكم الترسبات التي تملأ الحوض المائي عاماً بعد عام، إضافة إلى التبخر الذي بلغ خلال سنة 2025 حوالي 31 مليون متر مكعب، فضلاً عن التسربات التي تُقدّر بنحو 67 مليون متر مكعب. هذه العوامل مجتمعة تخلق عجزاً مائياً متزايداً، يؤكد حجم التحديات التي تواجهها الجهة الشرقية في تدبير مواردها المائية.
وبين الانخفاض المقلق في الموارد والتطلعات نحو إعادة تأهيل السد، يبقى مشروع التعلية بمثابة فرصة جديدة لتعزيز الأمن المائي للمغرب، واستعادة التوازن في واحدة من أكثر المناطق تأثراً بتقلبات المناخ والجفاف.



