البرازيل: السجن 27 عاماً للرئيس السابق جايير بولسونارو بتهمة محاولة الانقلاب
أصدرت المحكمة العليا في البرازيل، الخميس، حكماً تاريخياً بسجن الرئيس السابق جايير بولسونارو 27 عاماً وثلاثة أشهر، بعد إدانته بمحاولة تدبير انقلاب للبقاء في السلطة عقب هزيمته في انتخابات 2022. القرار، الذي صوّت لصالحه أربعة قضاة مقابل صوت واحد معارض، يعد الأول من نوعه في تاريخ البلاد ويثير جدلاً واسعاً داخل البرازيل وخارجها.
القضاة اعتبروا بولسونارو مذنباً بتهم عدة، من بينها المشاركة في تنظيم مسلح، محاولة إلغاء النظام الديمقراطي بالقوة، تنظيم انقلاب، والتورط في أعمال تخريب. القاضي الوحيد المعارض، لويس فوكس، رأى أن المحكمة غير مختصة بالنظر في الملف، ما يفتح الباب أمام استئناف الحكم، وهو ما أكدت هيئة الدفاع عزمها القيام به، واصفة العقوبة بـ”المفرطة”.
القاضية كارمن لوسيا اعتبرت المحاكمة حدثاً رمزياً يعكس مواجهة البرازيل لـ”ماضيها وحاضرها ومستقبلها”، في إشارة إلى تاريخ البلاد المليء بالانقلابات العسكرية والاضطرابات المؤسسية.
مسار مثير للجدل
بولسونارو، البالغ 70 عاماً، بدأ مساره السياسي في الثمانينيات بعد خدمته العسكرية، وانتخب نائباً اتحادياً على مدى ثلاثة عقود.
صطع نجمه بفضل خطاباته ضد الفساد ودفاعه عن القيم المحافظة، قبل أن يصل إلى الرئاسة عام 2018 مدعوماً بموجة سخط شعبي.
لكن ولايته اتسمت بجدل واسع، خصوصاً في ما يتعلق بإدارته لجائحة كورونا، وتعامله مع قضايا البيئة في الأمازون، وتشكيكه المتكرر في المؤسسات الديمقراطية.
أحداث ما بعد انتخابات 2022
توتر الأوضاع بدأ مع الانتخابات الرئاسية لعام 2022، حين شكك بولسونارو مراراً في نزاهة التصويت الإلكتروني وألمح إلى رفضه الاعتراف بالنتائج إذا خسر.
وبعد فوز منافسه لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، اندلعت احتجاجات واسعة انتهت في 8 يناير 2023 باقتحام أنصار بولسونارو مقار البرلمان والمحكمة العليا والقصر الرئاسي في مشهد أعاد للأذهان أحداث اقتحام الكابيتول بواشنطن عام 2021. المحكمة رأت أن الرئيس السابق ساهم بشكل مباشر في تأجيج هذه الأحداث وتنظيمها.
تفاعلات دولية
الولايات المتحدة كانت أول من علّق على الحكم. الرئيس السابق دونالد ترامب وصفه بـ”المطاردة السياسية”، فيما أعلن وزير الخارجية ماركو روبيو رفضه للقرار، معتبراً أنه “غير عادل”. في المقابل، ردت الخارجية البرازيلية ببيان أكدت فيه أن “الديمقراطية في البرازيل لن تخضع للضغوط الخارجية”. أما الرئيس لولا، فقلل من أثر التهديدات بالعقوبات، مؤكداً تمسك بلاده بسيادتها.
انعكاسات داخلية
الحكم يمثل نقطة تحول كبرى في المشهد السياسي البرازيلي. فإلى جانب منعه سابقاً من الترشح حتى 2030، يواجه بولسونارو الآن عقوبة سجنية طويلة، مع إمكانية الطعن فيها. في الحكومة، رُحب بالقرار باعتباره “ضمانة لحماية الديمقراطية”، فيما اعتبره أنصاره استهدافاً سياسياً.
رسالة إلى الجيش
الحكم لم يطل بولسونارو وحده، بل شمل أيضاً سبعة من مقربيه، بينهم خمسة ضباط كبار، في سابقة منذ إعلان الجمهورية عام 1889. الباحث في تاريخ الجيش، كارلوس فيكو، اعتبر أن “القرار يوجه رسالة واضحة للمؤسسة العسكرية بأن زمن الإفلات من العقاب قد انتهى”.
بلد منقسم وصدى عالمي
الشارع البرازيلي يبقى منقسماً: أنصار الرئيس السابق يرون في المحاكمة توظيفاً للعدالة ضد خصم سياسي، بينما يعتبرها خصومه انتصاراً للديمقراطية. على الصعيد الدولي، يرى مراقبون أن إدانة بولسونارو تضيف لبنة جديدة في النقاش العالمي حول قدرة الديمقراطيات على مواجهة الشعبوية والتيارات اليمينية المتطرفة.