ميناء الداخلة الأطلسي: منصة استراتيجية ترسخ إشعاع المغرب في عمقه الإفريقي

0 37

على بعد حوالي 40 كيلومتراً شمال مدينة الداخلة، وفي منطقة يلتقي فيها المحيط الأطلسي برمال الصحراء، يتشكل ميناء الداخلة الأطلسي، كأحد أضخم المشاريع البنيوية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية للمملكة. هذا الورش الملكي الضخم، الذي يحظى برعاية وتوجيه مباشر من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، يندرج في إطار رؤية استراتيجية شاملة تروم تعزيز مكانة المغرب كقوة بحرية واقتصادية إفريقية منفتحة على العالم.

المشروع يندرج ضمن الاستراتيجية الوطنية للموانئ لأفق 2030، ويعتبر ركيزة أساسية في النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، حيث يجمع بين البعد الاقتصادي واللوجستي والاجتماعي، ويهدف إلى خلق دينامية تنموية مستدامة تربط الجنوب المغربي بشبكات التجارة والطاقة العالمية.

وفي تصريحات إعلامية، أكدت نسرين إيوزي، مديرة تهيئة ميناء الداخلة الأطلسي، أن المشروع يسير وفق التوجيهات الملكية الرامية إلى تطوير الواجهة الأطلسية وتعزيز الروابط مع الدول الإفريقية، مشيرة إلى أن نسبة تقدم الأشغال بلغت حالياً نحو 40%. كما أبرزت أن 85% من الجسر البحري، الذي يبلغ طوله 1.3 كيلومتر، قد تم إنجازه، وهو ما يمثل تقدماً نوعياً في ربط البنية التحتية البحرية بالساحل.

وقد تم بالفعل إنتاج أكثر من 125 ألف قالب مكعب، أي ما يفوق نصف عدد الكتل اللازمة لحماية السواحل، بينما تتواصل عمليات الردم وبناء الأرصفة ضمن جدول زمني مضبوط وتحت مراقبة صارمة لضمان أعلى معايير الجودة الدولية.

ويُنتظر أن تبلغ الطاقة الاستيعابية للميناء 35 مليون طن سنوياً، كما سيتوفر على تجهيزات متطورة لمعالجة مختلف أنواع البضائع، من الحاويات (بسعة تصل إلى مليون حاوية نمطية) إلى البضائع السائلة والصلبة، فضلاً عن منشآت مخصصة للصيد البحري وإصلاح السفن. كما يرتقب أن يلعب دوراً محورياً في تصدير الهيدروجين الأخضر، خاصة في شكل الأمونيا، في إطار التوجه الوطني نحو الطاقات النظيفة والانتقال الطاقي.

من الناحية الاجتماعية، ساهم المشروع في خلق أزيد من 2500 فرصة عمل مباشرة، مع توقعات بارتفاع هذا الرقم بفضل المنظومة الاقتصادية التي ستُقام حول الميناء. وفي هذا السياق، يتم إعداد منطقة صناعية ولوجستية مدمجة تمتد على مساحة 1650 هكتاراً، ستُخصص لاستقطاب مشاريع مبتكرة في مجالات الفلاحة الصناعية، الطاقات المتجددة، الصناعات السمكية، ومواد البناء.

ويتبنى المشروع نهجاً بيئياً مسؤولاً، من خلال تقليص البصمة الكربونية عبر تحسين مسارات النقل بين المقالع والموقع، واعتماد الطاقة الشمسية في المنشآت، وإعادة استخدام مواد السدود المؤقتة، إضافة إلى تدبير رشيد للموارد المائية بفضل أنظمة متقدمة للمعالجة وإعادة التدوير.

ومع تواصل وتيرة الأشغال بثبات، يرسخ ميناء الداخلة الأطلسي مكانته كمشروع استراتيجي يغير معالم الجنوب المغربي، ويعزز تموقع المملكة كصلة وصل بين إفريقيا وأوروبا وأمريكا، في أفق مغرب منفتح، متكامل، ومستدام.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.