يشهد المغرب منذ عام 2024 تدفقاً متزايداً للاستثمارات الصينية التي ترسّخ موقعه كقاعدة صناعية صاعدة في إفريقيا والمتوسط.
ووفق تقرير صادر عن جامعة جونز هوبكنز، يحتل المغرب المرتبة الثانية عالمياً خارج منطقة آسيان في جذب الاستثمارات الصينية بمجال التقنيات الخضراء، بما يعادل 16,75 مليار دولار موزعة على 16 مشروعاً حتى منتصف 2025. كما تجاوزت المبادلات التجارية بين الرباط وبكين 8 مليارات دولار العام الماضي، لتصبح الصين ثالث أكبر مستثمر في المملكة بعد أن كانت في المرتبة 13 قبل عقد.
وتقود هذه الطفرة مجموعة من المشاريع الصناعية العملاقة في مجالات البطاريات والسيارات والطاقة والنحاس والنسيج. أبرزها مشروع غوشيون هاي تك في القنيطرة، الذي يضم مصنعاً ضخماً للبطاريات باستثمار يتجاوز 1,3 مليار دولار، بطاقة إنتاجية تصل إلى 100 غيغاواط/ساعة عند اكتماله. كما دشنت CNGR وAl Mada مصنعاً في الجرف الأصفر لتزويد الأسواق الأوروبية والأمريكية بمكونات البطاريات، فيما افتتحت Aeolon Technology مصنعاً لشفرات توربينات الرياح في الناظور بقيمة 245 مليون دولار.
هذا وتستفيد هذه الاستثمارات من موقع المغرب الجغرافي الاستراتيجي على مقربة من أوروبا، ومن بنية تحتية لوجستية متقدمة تشمل موانئ طنجة المتوسط والناظور، فضلاً عن شبكة واسعة من اتفاقيات التبادل الحر تتيح وصولاً تفضيلياً إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية والإفريقية. كما يجذب انخفاض تكاليف اليد العاملة الشركات الصينية، إذ لا تتجاوز كلفة إنتاج السيارة الواحدة في المغرب 106 دولارات مقابل أكثر من 3.000 دولار في ألمانيا، وفق تقرير لشركة Oliver Wyman.
وعلى إثر الاستقبال الذي خصه رئيس الحكومة عزيز أخنوش للوفد الصيني رفيع المستوى بداية الأسبوع الجاري، قال المحلل الاقتصادي مهدي فقير في تصريح خص به “مجلة صناعة المغرب” إن العلاقة التي تربط المغرب بالصين تأتي في سياق تنويع المملكة من معروضها الاستثماري ولكن بمقاربات كيفية بمعنى الرفع من الإدماج الاقتصادي.
وأضاف فقير في تعليقه عن الموضوع، إلى أن المغرب أصبح وجهة اقتصادية قوية لكبار الفاعلين الاقتصاديين في العالم، وذلك عائد إلى العروض المقدمة من المملكة من ناحية الجانب المالي، ومن ناحية المصداقية الكبيرة التي يتمتع بها المغرب”
ويمتلك المغرب موارد طبيعية غنية تمثل عامل جذب إضافي، إذ يحتكر 70 % من احتياطات الفوسفاط العالمية ويحتل المرتبة التاسعة في إنتاج الكوبالت، وهما عنصران أساسيان في صناعة البطاريات. كما يعتمد أكثر من 40 % من إنتاجه الكهربائي على الطاقات المتجددة، مع هدف بلوغ 52 % في أفق 2030، ما يوفر طاقة منخفضة الكربون تلائم المعايير البيئية للمستثمرين الدوليين.
بفضل هذه الدينامية، يتحول المغرب إلى مركز صناعي إقليمي يربط بين أوروبا وإفريقيا، ويستفيد من تدفق رؤوس الأموال الصينية لتطوير منظومات إنتاج محلية وتكوين كفاءات جديدة. إنها شراكة متوازنة تجمع بين رغبة الصين في تأمين سلاسل التوريد، وسعي المغرب إلى ترسيخ موقعه ضمن المنصات الصناعية العالمية، في أفق تنمية مستدامة تعزز تنويع الاقتصاد الوطني.
وكان رئيس الحكومة عزيز أخنوش، قد استقبل أول أمس بالرباط، وفدا من كبار المسؤولين والفاعلين الاقتصاديين بمقاطعة آنهوي الصينية، بقيادة أمين الحزب الشيوعي الصيني بهذه المقاطعة، ليانغ يانشون، حيث تم بحث سبل تطوير الشراكة الاقتصادية المتميزة بين المغرب والصين، تنفيذا لتوجيهات قائدي البلدين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، وفخامة رئيس جمهورية الصين الشعبية، السيد شي جين بينغ.