حصري – التخزين الصلب للهيدروجين: الاختراق المغربي الذي يعيد رسم ملامح الانتقال الطاقي

0 33

بينما تتسارع وتيرة الانتقال الطاقي العالمي حول الهيدروجين، يقدم البروفيسور عمر منگاشي، الأستاذ الباحث بجامعة محمد الخامس بالرباط والأستاذ المشارك إلى جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، إنجازًا علميًا بارزًا في مجال تخزين الهيدروجين الصلب. وبفضل الدعم الذي تلقاه المشروع من جامعة محمد السادس متعددة التخصصات عبر برنامج APRD، يقوم هذا الابتكار على استخدام هيدريد المغنزيوم (MgH₂) لتصميم خزانات مبتكرة، أكثر أمانًا واستدامة وكفاءة في استهلاك الطاقة.

تقترح دراستكم خزانًا مبتكرًا يعتمد على MgH₂ لتخزين الهيدروجين الصلب. ما الذي يميز هذا النهج عن طرق التخزين التقليدية بالغاز أو السائل من حيث السلامة وكفاءة الطاقة؟

تُقدم دراستنا نهجًا جديدًا لتخزين الهيدروجين في حالته الصلبة، بالاعتماد على مادة تُدعى MgH₂ (هيدريد المغنزيوم). بخلاف الطرق التقليدية التي تخزن الهيدروجين إما كغاز عالي الضغط أو سائل مبرد لدرجات حرارة منخفضة جدًا، فإن نظامنا يعمل في ظروف ضغط معتدلة ودرجات حرارة معقولة. هذا يعني أن احتمال التسرب أو الانفجار يكون أقل بكثير، ما يجعل النظام أكثر أمانًا في الاستخدام.

إضافةً إلى ذلك، تتيح هذه التكنولوجيا تخزين كميات من الهيدروجين تعادل ما توفره الخزانات السائلة، لكن دون استهلاك كميات كبيرة من الطاقة. يكفي تسخين المادة بشكل خفيف (حوالي 350 درجة مئوية) لتحرير الهيدروجين، عوضًا عن تبريده إلى -253 درجة مئوية كما هو الحال في التخزين السائل. إنها إذن تقنية أبسط، أكثر أمانًا، وأقل استهلاكًا للطاقة، ومناسبة تمامًا للاستخدام في السياقات الصناعية أو المتنقلة.

 اخترتم دمج موزع حراري مصنوع من الفولاذ المقاوم للصدأ مزود بأنبوب تسخين حلزوني. لماذا كان هذا الخيار حاسمًا في تحسين انتقال الحرارة داخل الخزان؟

لقد كان اختيار دمج موزع حراري من الفولاذ المقاوم للصدأ مزوّد بأنبوب تسخين حلزوني قرارًا حاسمًا لأنه استجاب لمجموعة من المتطلبات التقنية الأساسية. يساهم هذا النظام في توزيع الحرارة بشكل متجانس داخل الخزان، مما يمنع تكوّن المناطق الباردة التي من شأنها أن تُبطئ عملية تحرير الهيدروجين. كما يضمن ارتفاعًا سريعًا ومضبوطًا في درجة الحرارة، وهو عامل رئيسي لتحسين سرعة تفاعل نزع الهيدروجين من MgH₂، أي العملية التي يتم فيها استخراج الهيدروجين من المادة.

ويُعد استخدام الفولاذ المقاوم للصدأ خيارًا مثاليًا بفضل موصليته الحرارية الممتازة، ومقاومته العالية للتآكل، وتوافقه الجيد مع الهيدروجين. هذه الخصائص مجتمعة تضمن فعالية النظام ومتانته على المدى الطويل. باختصار، إنها حل تقني يفي بمتطلبات الأداء والموثوقية والسلامة الضرورية لكل تطبيق صناعي في مجال تخزين الهيدروجين الصلب.

أثبتت التجارب أن هناك سرعة في دورات الامتصاص والانبعاث للهيدروجين. ما هي التداعيات العملية لهذه النتيجة على الاستخدام الصناعي واسع النطاق، خصوصًا في مجالات التنقل أو شبكات الطاقة؟

يمكن لخزاننا تخزين الهيدروجين وإطلاقه بسرعة، وهو أمر بالغ الأهمية في بعض التطبيقات الصناعية. ففي مجال الطاقة، يمكن استخدامه لتخزين الكهرباء المولدة من الشمس أو الرياح، ثم إعادتها عند الحاجة، مما يُساهم في استقرار الشبكة الكهربائية.

أما في قطاع النقل، ورغم سرعة عمل النظام، إلا أن الخزانات ما تزال ثقيلة وضخمة جدًا لاستخدامها في المركبات، ولذلك فهي أنسب للتركيبات الثابتة.

ومن المزايا المهمة كذلك أن هذه الخزانات تتمتع بعمر أطول مقارنة بالبطاريات التقليدية مثل بطاريات الليثيوم-أيون، ويمكنها تحمل عدد أكبر من دورات الشحن والتفريغ. ورغم أن تكلفتها الأولية مرتفعة، إلا أنها تصبح أكثر جدوى اقتصاديًا على المدى الطويل في المشاريع التي تتطلب الاعتمادية وطول مدة الخدمة.

باختصار، هو نظام سريع، قوي، ومستدام، مثالي للصناعة ولشبكات الطاقة.

 تعاونتم مع عدد من المؤسسات والجهات الصناعية، من بينها UM6P، وJomi-Leman SA، إلى جانب مختبرات دولية. ما هو الدور الذي لعبته هذه الشراكة الأكاديمية-الصناعية في نجاح المشروع؟

لقد كانت هذه الشراكة بين الفاعلين الأكاديميين والصناعيين حاسمة في إنجاح المشروع. فقد قدم الشركاء، مثل جامعة محمد الخامس، وUM6P، والجامعة الدولية للرباط، وشركة Jomi-Leman، خبراتهم العلمية والتقنية بشكل تكاملي، وشاركوا بيانات استراتيجية، كما ساهموا في تكوين موجه خلال كل مرحلة من مراحل تطوير المشروع.

وقد ساعد هذا العمل التشاركي المنظم على بناء منهجية صارمة، وتأكيد الخيارات التقنية على أسس علمية متينة، وتسريع وتيرة التقدم من خلال الاستفادة من نقاط القوة لدى الطرفين: البحث الأكاديمي من جهة، وحاجيات الصناعة الفعلية من جهة أخرى. كما عزّز هذا التعاون عملية نقل المعرفة، ورفع من كفاءة الفرق، ووضع أسسًا قوية لعملية تثمين النتائج على المدى المتوسط والطويل.

أشار المقال إلى إمكانية تكرار النموذج على نطاق صناعي. ما هي، في رأيكم، الشروط اللازمة (تشريعية، مالية، تقنية) للانتقال من مرحلة التجريب إلى مرحلة التسويق؟

للانتقال من مرحلة التجريب إلى تطبيق صناعي واسع النطاق، يجب توافر عدة شروط. أولًا، لا بد من إثبات أن النظام قادر على العمل بكفاءة وموثوقية في البيئات الصناعية وعلى نطاق واسع. كما ينبغي تطوير آلية إنتاج صناعي فعالة، إلى جانب خدمات صيانة موثوقة لمتابعة الأنظمة على المدى الطويل.

ثانيًا، من الضروري وجود إطار قانوني واضح، يُحدد القواعد الكفيلة باستخدام الهيدروجين بأمان (فيما يتعلق بالتخزين، النقل، إلخ).

أما من الناحية الاقتصادية، فإن الدعم المالي يُعد أمرًا حاسمًا، خاصة في المراحل الأولى التي تتطلب استثمارات كبيرة. ولهذا، فلابد من الاعتماد على منح عمومية، أو شراكات صناعية وخاصة لإطلاق الإنتاج وضمان تنافسية الحل على المدى البعيد.

والأهم من ذلك أن هذا النوع من الخزانات يؤدي دورًا محوريًا في سلسلة القيمة الخاصة بالهيدروجين، إذ يُمثل حلقة الوصل بين إنتاج الهيدروجين (غالبًا من مصادر طاقة متجددة) واستعماله في قطاعات كالصناعة والطاقة وأنظمة الطوارئ. فهو يسمح بتخزين الهيدروجين في الوقت المناسب، ثم إطلاقه عند الحاجة، مما يُعزز الاستقلالية واستقرار المنظومة الطاقية.

أخيرًا، لا بد من إجراء دراسة سوق شاملة لتحديد القطاعات الأكثر اهتمامًا بهذا الحل (مثل المواقع الصناعية المعزولة أو الشبكات المحلية للطاقة)، وتكييف العرض مع الاحتياجات الواقعية للميدان.

باختصار، يحتاج الانتقال إلى المستوى الصناعي إلى تكنولوجيا موثوقة، وتشريعات واضحة، وتمويل مستقر، وفهم دقيق للسوق. ويُعد هذا النوع من الخزانات عنصرًا أساسيًا في مستقبل الهيدروجين.

على المدى البعيد، كيف ترون دور المواد مثل MgH₂ في الانتقال الطاقي العالمي، خصوصًا في إفريقيا وفي سياق تحقيق الاستقلالية الطاقية لدول الجنوب؟

يُعد المغنزيوم من العناصر المتوفرة بكثرة في الطبيعة، ويتواجد في عدة مناطق إفريقية، مما يجعله مادة واعدة يمكن الحصول عليها محليًا. وهذا يمنحه أهمية استراتيجية عندما يتعلق الأمر بتعزيز السيادة الطاقية في دول الجنوب.

وعندما يكون على شكل هيدريد (MgH₂)، يُمثل هذا المركب حلًا واعدًا لدعم تنمية الطاقات النظيفة. فهو قادر على تخزين الهيدروجين بأمان واستدامة وكفاءة، ويمكن أن يؤدي دورًا محوريًا في بناء نظم طاقية أكثر مرونة وخالية من الكربون.

وهذا من شأنه أن يُعزز الاستقلالية الطاقية في إفريقيا، لا سيما في المناطق المعزولة أو غير المرتبطة بالشبكة الوطنية، ويُقلل من الاعتماد على واردات الوقود الأحفوري.

ومع ذلك، فإن جعل هذه التكنولوجيا متاحة على نطاق واسع يتطلب بذل المزيد من جهود البحث والابتكار، خصوصًا من أجل خفض تكلفة تصنيع MgH₂ المنشط. فحتى الآن، تبقى العمليات الصناعية المعتمدة معقدة ومكلفة. لذلك، من الضروري الاستثمار في البحث العلمي لتبسيط العمليات، وتحسين أداء المادة، وجعل هذا الحل أكثر قابلية للتطبيق، خاصة في الدول النامية.

إعداد: رشيد محمودي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.