بنية تحتية بمليارات الدراهم.. كيف يراهن المغرب على كرة القدم لصناعة الثروة الاقتصادية؟
يراهن المغرب على تحويل نهائيات كأس أمم إفريقيا 2025 إلى منصة لإبراز جاهزيته التنظيمية وقدرته على توظيف الأحداث الرياضية الكبرى كرافعة اقتصادية، في سياق التحضيرات المكثفة لاستقبال كأس العالم 2030 بشراكة مع إسبانيا والبرتغال.
وتبدو البطولة، التي ستجري بين 21 دجنبر 2025 و18 يناير 2026، اختباراً مفصلياً للمملكة، خصوصاً أنها تتزامن مع عطلة أعياد الميلاد ورأس السنة، بما توفره هذه الفترة من زخم سياحي استثنائي.
وفي صلب التحضيرات، يبرز ورش البنية التحتية كأحد أهم الرهانات، حيث كشف الوزير المكلف بالميزانية فوزي لقجع، خلال الأشهر الماضية، أن المغرب رصد حوالي 150 مليار درهم لتطوير شبكة النقل والمطارات والطرق والملاعب، في إطار رؤية استراتيجية تهدف إلى ضمان استدامة هذه المشاريع ومواكبتها للتحول الرياضي والاقتصادي المنتظر.
وأكد لقجع أن هذه الاستثمارات لن تُثقل كاهل الميزانية العامة، بعدما تم اعتماد آليات تمويل مبتكرة وشراكات ممتدة بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص، مشدداً على أن هذه المشاريع ستسهم في خلق الثروة وفرص الشغل ورفع وتيرة النمو.
وتتعزز أهمية هذا الاستثمار عبر وزنه الاقتصادي، خصوصاً في قطاع السياحة، في تصريح للخبير المغربي في الاقتصاد الرياضي ياسين اعليا يرى أن البطولة تمثل لحظة اقتصادية عالية التأثير، مع توقع انتعاش غير مسبوق لسياحة المناسبات، لاسيما أن موعد البطولة يتزامن مع تدفق كبير للمسافرين خلال عطلة نهاية السنة.
ويُضاف إلى ذلك القرب الجغرافي من أوروبا، الذي يشجع الجاليات الإفريقية المقيمة هناك على حضور المباريات ومساندة منتخباتها، بما تحمله هذه الفئة من قدرة إنفاق مرتفعة تنعكس فوراً على الفنادق والمطاعم والنقل والأنشطة التجارية.
وتشير البيانات الأولية في الأسابيع الأخيرة إلى ارتفاع ملحوظ في الحجوزات الجوية والفندقية، ما يعزز توقعات موسم سياحي قوي بين دجنبر وبداية يناير 2026.
وفي مستوى آخر من الرهانات، يسعى المغرب إلى الاستفادة من الزخم الإعلامي والإعلاني المصاحب للبطولة لإعادة تقديم صورته السياحية والاقتصادية على نطاق أوسع.
ويؤكد اعليا أن النقل التلفزيوني لمباريات البطولة والإعلانات المرتبطة بها يمثلان نافذة ترويجية عملاقة، في ظل تقديرات تصل إلى 112.84 مليون دولار من عائدات البث والإعلانات لصالح الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، سيستفيد المغرب من 20 في المائة منها، أي نحو 22.5 مليون دولار، وفق ما تنص عليه اتفاقيات تنظيم البطولة.
ويُنتظر أيضاً أن يشكل الحدث منصة لترويج وجهة المغرب كبلد قادر على احتضان البطولات العالمية، في تزامن محتمل مع استضافة كأس العالم للأندية سنة 2030.
غير أن هذا الزخم تحفه مخاوف اقتصادية، خصوصاً في ما يتعلق باستدامة الاستثمارات الضخمة المخصصة للبنية الرياضية، إذ يلفت اعليا إلى أن عدداً من الدول التي استضافت فعاليات كبرى واجهت لاحقاً تحديات صيانة مكلفة لملاعب فقدت وظيفتها بعد انتهاء البطولات، بما يعيد إلى الواجهة سؤال الجدوى على المدى البعيد.
كما يحذر من أن الطفرات السريعة التي تشهدها قطاعات الفنادق والنقل والخدمات خلال هذه المناسبات قد لا تُترجم إلى فرص شغل مستقرة، طالما أن مستوى الطلب يعود إلى طبيعته بعد الحدث.
ويشدد الخبير على ضرورة تطوير رؤية استباقية تضمن استدامة هذه المشاريع وربطها بالمنظومة الاقتصادية المحلية، حتى لا تتحول المنشآت الرياضية إلى عبء بعد انتهاء الأجندة الرياضية الكبرى.




