النقابة الوطنية للمهندسين المعماريين تنبه الحكومة و البرلمان لتقادم القوانين المنظمة للمهنة

0 36

في إطار الدينامية التي تعرفها الساحة المهنية للهندسة المعمارية، نظّمت النقابة الوطنية للمهندسين المعماريين بالقطاع الخاص، يومه الجمعة، مائدةً مستديرة حول “مستقبل المغرب ودور الهندسة فيه”، شارك فيها نخبة من المهندسين المعماريين والخبراء، إلى جانب ممثلين عن هيئة المهندسين المعماريين وعدد من الفاعلين في القطاع.

افتتح اللقاء المهندس حسن المنجرة السعدي، رئيس النقابة الوطنية للمهندسين المعماريين، ورئيس الاتحاد الوطني للمهن الحرة بالمغرب، مؤكداً أن هذا اللقاء يشكّل محطة أساسية لفتح نقاش صريح حول الإشكالات التي تواجه المهنة، سواء في ما يتعلق بالجانب الهندسي أو بالمعاملات اليومية داخل القطاع.

وأوضح المنجرة السعدي أن المهندسين المعماريين اليوم يشتغلون في إطار تعاونيات مهنية، بهدف الرفع من مستوى الممارسة وتحسين جودة الخدمات. غير أن عدداً من المعيقات ما زالت تعرقل أداءهم، على رأسها تأخر استخلاص المستحقات المالية رغم إنجاز الدراسات والتصاميم والملفات التقنية في الوقت المحدد. وأشار إلى أن هذا الوضع أصبح متكرراً بشكل يهدد استقرار المكاتب الهندسية وجودة المشاريع، داعياً إلى وضع آلية واضحة تضمن الأداء العادل وفي آجاله القانونية.

وأضاف أن المهندسين اليوم يجدون أنفسهم في وضعية غير متوازنة أمام المقاولين والإدارات، رغم أنهم يتحملون المسؤولية التقنية والقانونية الكاملة عن التصاميم والمشاريع. وقال: “نحن هنا اليوم لمناقشة هذه الإشكالات والسعي إلى حلول واقعية تحفظ كرامة المهندس وتكرّس احترام دوره داخل المجتمع”.

من جهته، أكّد المهندس المعماري علي جسوس، نائب رئيس النقابة الوطنية للمهندسين المعماريين، أن اللقاء يشكّل مناسبة لتجديد النقاش حول واقع المهنة ومستقبلها، مشيراً إلى أن المقارنة مع التجارب المجاورة تكشف عن فجوة مقلقة، إذ يعيش المهندس المغربي ظروفاً مهنية واقتصادية صعبة مقارنة بنظرائه في دول الجوار.

وأوضح جسوس أن أصل الإشكال يكمن في القوانين المنظمة للمهنة، إذ ما زالت الممارسة محكومة بنصوص تعود إلى سنتي 1952 و1980، في وقت تغيّر فيه العالم وتطوّرت فيه المعايير والممارسات بشكل كبير. وأكد أن أي إصلاح حقيقي يجب أن يبدأ من التشريع، داعياً الحكومة والبرلمان إلى فتح ورش مراجعة القوانين المهنية وتحيينها بما يضمن الإنصاف والجودة.

وأشار إلى أن المغرب يتوفر على أكثر من 25 ألف مهندس في مختلف التخصصات، بينهم آلاف المعماريين المؤهلين، غير أن غياب تنظيم عادل لتوزيع المشاريع، وضعف احترام التسعيرة الرسمية، وتفشي ظاهرة خفض الأسعار (الدومبينغ)، كلها عوامل تؤدي إلى إضعاف المهنة وتشجيع الممارسات غير العادلة.

وأبرز جسوس أن الأرقام الرسمية تشير إلى وجود حوالي 100 ألف ملف ترخيص للبناء سنوياً، وهو ما يؤكد أن حجم العمل متوفر، لكن طريقة توزيعه غير منصفة. وأضاف أن “المشكل الحقيقي يكمن في غياب احترام التسعيرة المهنية، ما يدفع بعض المهندسين إلى تقديم خدمات بأسعار منخفضة تصل إلى 40% أقل من المعدلات المعتمدة، مما يخلق منافسة غير شريفة تضر بالمهنة وبالسوق على حد سواء.”

كما تناول النقاش إشكاليات “الشباك الوحيد” للتعمير، حيث كشف كريم السباعي، رئيس المجلس الجهوي للجهة الوسطى للهيأة الوطنية للمهندسين المعماريين، عن معطيات مقلقة تتعلق باستقالة مسؤولين رئيسيين داخل المنظومة، من بينهم رئيس قسم الشباك الوحيد بالدار البيضاء ورئيس مصلحة التخطيط، احتجاجاً على غياب الشفافية وتدخل بعض المنتخبين الذين يسعون لإعادة ممارسات الرشوة والوساطة.

وأكد السباعي أن هذه الاستقالات تمثل انتكاسة لمبدأ الحكامة الجيدة الذي بدأ يترسخ في قطاع التعمير، مشدداً على ضرورة التحرك السريع لحماية مسار الإصلاح ومنع العودة إلى الأساليب القديمة التي تُسيء إلى صورة المهنة والمؤسسات.

وفي محور آخر، تم التطرق إلى ملف تكوين المهندسين الشباب وإشكالية التدريب الإلزامي للحصول على رخصة المزاولة. وأوضح السباعي أن القرار السابق للأمين العام للحكومة بإلغاء إلزامية التدريب ساهم في إضعاف التكوين العملي للمعماريين الجدد، مضيفاً أن عدداً من المتخرجين من بعض مدارس أوروبا الشرقية يفتقدون للوعي المهني والمسؤولية الأخلاقية، إذ يلجؤون إلى “التوقيع الصوري” على التصاميم دون متابعة المشاريع ميدانياً، وهي ظاهرة وصفها بـ”مرض المهنة”.

وفي هذا السياق، دعا المتدخلون إلى ضرورة إعادة فرض التدريب كشرط أساسي لمزاولة المهنة، وتعزيز ثقافة المسؤولية والمواكبة الميدانية. كما شددوا على أهمية معالجة ظاهرة المعماريين الذين يوقعون عدداً كبيراً من المشاريع دون متابعة، عبر آليات عقابية وتحفيزية تضمن العدالة المهنية.

واقترح جسوس في هذا الإطار تفعيل إجراءات قصيرة ومتوسطة المدى، من بينها فرض رسوم إضافية على المعماريين الذين يودعون عدداً كبيراً من الملفات، وتخصيص هذه المبالغ لدعم الصندوق الاجتماعي للمهنة. كما دعت النقابة إلى مراجعة المساطر الإدارية للتراخيص، وتمييز المشاريع الصغيرة التي تمثل 70% من الممارسة المهنية، لتخضع لمسار مبسّط يوقعه المعماري والمهندس ورئيس الجماعة فقط، دون المرور بالوكالات الحضرية، مما سيساهم في تخفيف الضغط وتحسين نجاعة الإدارة.

كما تمّ التأكيد على ضرورة إعادة النظر في نظام المسابقات المعمارية لضمان الشفافية وتعويض المشاركين، إذ لا يعقل أن تُنظم مسابقات يشارك فيها مئة مهندس دون تعويض أو تقييم واقعي للملفات.

وفي ختام المائدة المستديرة، دعا المشاركون إلى تعبئة جماعية داخل المهنة من أجل إصلاح شامل يضمن حماية المهندس، وتطوير التشريعات المنظمة، وضمان توزيع عادل للمشاريع، بما يعيد الاعتبار للهندسة المعمارية كأحد الركائز الأساسية في التنمية المستدامة للمغرب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.