مجلة صناعة المغرب/ رشيد محمودي
احتفل الشعب المغربي، يوم السبت 30 يوليوز، بذكرى مرور ثلاثة وعشرين عاما على تولي الملك محمد السادس عرش بلاده خلفا لأجداده. بعد مرور هذه السنين شهدت المملكة المغربية محطات تاريخية مهمة شملت عددا من القطاعات من بينهم ما هو اقتصادي واجتماعي ونجاحات دبلوماسية استثنائية، فما هي أهم التحولات التي ميزت حكم محمد السادس.
قبل 23 عاما، تربع الملك محمد السادس على العرش في العام 1999، حيث أكد في أول لقاء له مع شعبه، عن اهتمامه الكبير للقطاع الاقتصادي والاجتماعي، لتعرف الممكلة بعدها عددا من المشاريع الكبرى خلقت ثورة حقيقية بالمغرب ومكانة وهبة كبرى بالقارة السمراء.
وكشف أحمد نور الدين، خبير في العلاقات الدولية، في تصريح خاص لـ”مجلة صناعة المغرب”، عن أربعة معالم كبرى للإنجازات المحققة، مشيرا إلى أن حصيلة 23 عاما من المنجزات في مجال الدبلوماسية الملكية، يستلزم دون مبالغة اكثر من مجلد، مؤكدا أن المغرب عاش مرحلة تميزت بدينامية خلاقة، خلخت الكثير من المسلمات، وكسرت العديد من الطابوهات، وارست خطوة خطوة، في حكمة واتزان ودون بهرجة او استعجال، دعائم سياسة خارجية قوية اعادت للمملكة مكانتها المرموقة بين الأمم.
وقال خبير العلاقات الدولية، إن أبرز معالم تلك السياسة الخارجية هي أولا إرساء سياسة إفريقية ثنائية استغرقت حوالي عقدين من الزمن، أعطى فيها المغرب النموذج لما ينبغي أن يكون عليه التعاون المثالي جنوب جنوب، من خلال أزيد من 50 زيارة رسمية قادت العاهل المغربي إلى الجهات الأربع في القارة السمراء، وقع خلالها ازيد من ألف معاهدة واتفاقية، وتمخضت عنها مشاريع مشتركة حقيقية وذات قيمة مضافة عالية في كل القطاعات الانتاجية، حيث أصبحت المملكة ثاني اكبر مستثمر إفريقي في القارة من خلال تواجد أزيد من 600 شركة مغربية في كل المجالات، وهو توجه ترجم ثقة المغرب في إفريقيا وبادلته إفريقيا بالثقة في المغرب. بعد ذلك أطلق العاهل المغربي مرحلة ثانية خلال الخمس سنوات الأخيرة تميزت بالتعاون الافريقي متعدد الأطراف من خلال قرار العودة إلى البيت الافريقي واستعادة مكانة المغرب الطبيعية داخل المنظمة الإفريقية، وقد تميزت هي الأخرى بإنجازات كبيرة في فترة وجيزة كان من أبرزها منح المغرب في شخص العاهل المغربي درع الريادة الافريقية في الهجرة، واستضافة المغرب العديد من المؤسسات الافريقية المرموقة مثل المرصد الافريقي للهجرة أو المكتب الإقليمي للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب على صعيد القارة، أو صندوق إفريقيا50 للاستثمارات، وغيرها من المؤسسات المرموقة في مختلف الميادين.
وتابع المتحدث قائلا:” بدأت تؤتي هذه السياسة الافريقية ثمارها من خلال افتتاح حوالي 20 دولة افريقية قنصليات لها في الصحراء المغربية، ومن خلال كسر محور الشر المعادي للوحدة الترابية للمملكة حيث اصبحت نيجيريا شريكا استراتيجيا للرباط، بعد أن كانت ابوجا تشكل ثالث ضلع في مثلث معادي مع جنوب افريقيا والجزائر. وكذلك الشأن بالنسبة لأثيوبيا التي اغلقت سفارتها في الجزائر وابقت على سفارتها في الرباط، بالإضافة إلى خروج الجزائر من مجلس السلم والأمن الإفريقي الذي ظلت تحتكر رئاسته منذ إنشائه، وانتخاب المغرب لفترتين متتاليتين عضوا داخل نفس المجلس، دون أن ننسى سحب العديد من الدول اعترافاتها بالكيان الوهمي في تندوف، وأصبح الأغلبية الساحقة، 43 دولة من أصل 54 دولة داخل الاتحاد الإفريقي لا تعترف بالكيان الذي اصطنعته الجزائر”.
وأشار أحمد نور الدين، إلى أن هذه التحولات لا بد من أن تؤدي إلى تصحيح الخطأ التاريخي كما اسماه العاهل المغربي، في إشارة إلى خطأ قبول المنظمة الافريقية انضمام ذلك الكيان دون أن تتوفر فيه الشروط القانونية لميثاق الوحدة الإفريقية آنذاك، بحيث إن تصحيح الخطأ سيتم من خلال طرده في الفترة المقبلة وعلى المدى المنظور”.
المعلم الثاني
أكد احمد نور الدين، أن المعلم الثاني في السياسة الخارجية، يتمثل في النقلة الاستراتيجية، اوالمتمثلة في الاعتراف الامريكي بمغربية الصحراء وسيادة المغرب على كل أقاليمه الجنوبية، بعدما صدر القرار في الجريدة الرسمية الامريكية، او ما يطلق عليه السجل الفدرالي، ووزع كوثيقة رسمية على اعضاء مجلس الأمن الدولي بالامم المتحدة، ولم تفلح اللوبيات المضادة للمغرب التي يمولها بسخاء البترودولار الجزائري، لم تفلح في تغيير موقف الادارة الدبمقراطية للبيت الابيض، وهو نجاح ثاني للمغرب وصفعة لمن كان يتوسم تغيير الموقف الامريكي بعد وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الابيض رغم حجم الضغوطات الرهيبة.
المعلم الثالث
وأشار خبير العلاقات الدولي قائلا :” التغير الاستراتيجي في الموقف الإسباني، الذي أعقب أزمة بين البلدين، حولها الطرفان إلى فرصة لمراجعة المواقف الثنائية من العلاقات بين المملكتين، وقد أدت المفاوضات المعمقة تحت إشراف مباشر للملك محمد السادس ورئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، أدت إلى دعم إسباني واضح لموقف المغرب في الصحراء، بل أن الرسالة التي بعث بها رئيس الحكومة الإسبانية تحدثت عن دعم سيادة المغرب وهو اعتراف بسيادة المغرب على صحرائه بشكل لا يقبل التأويل. وهو ما أدى إلى سحب السفير الجزائري من إسبانيا وإلى تدهور في العلاقات التجارية بين الجزائر ومدريد، وإغلاق أنبوب الغاز وتهديد بمراجعة اسعار الغاز، وتوقيف للمعاملات البنكية، وغيرها من الإجراءات المتشنجة للنظام الجزائري، وبذلك يكون المغرب قد ضرب عدة عصافير بحجر واحد كسب موقفا اسبانيا يصحح الخطأ التاريخي لهذا البلد الذي كان وراء خلق مشكلة الصحراء، وحطم تحالف الشر بين الجزائر ومدريد ضد المغرب، وفضح النظام الجزائري أنه هو خصم المغرب الوحيد المعادي لوحدته الترابية وان الجبهة الانفصالية مجرد ورقة بيد جنرالات الجزائر. وكلها انتصارات للدبلوماسية الملكية…. ولم تكن إسبانيا هي الوحيدة في هذا النهج بل كانت هناك مواقف اوريية مساندة لموقف المغرب ولمقترحه بانهاء النزاع في الصحراء، ومنها ألمانيا وهولندا وغيرهما بالإضافة إلى دعم الاتحاد الاوربي للموقف الاسباني في مواجهة التصعيد الجزائري”.
المعلم الرابع
أوضح أحمد نور الدين أن المعلم الرابع يتجلى في نجاح المغرب في كسب التعاطف الدولي مع قضيته الوطنية وتوسيع دائرة الأصدقاء والمؤيدين، وفي نفس الوقت تكريس عزلة النظام العسكري الجزائري، وقد تبين ذلك بجلاء في عدة مناسبات نذكر منها نجاح المغرب في تطهير معبر الكركرات يوم 13نوتبر 2020 في عملية استغرقت بضع ساعات فقط ابانت فيها القوات المسلحة الملكية عن علو كعبها وتفوقها عسكريا واستخباراتيا، ولم تسجل اي دولة عبر العالم اعتراضها او ادانتها باستثناء الجزائر، فظهرت عزلتها المطلقة إذ لم تساندها حتى جنوب افريقيا او دول الموز التي تعترف بجمهورية تندوف الوهمية. والمتاسبة الثانية التي كرست عزلة الجزائر هي مناسبة التصويت على قرار مجلس الامن 2602 الأخير في أكتوبر 2021، حيث لم تمتنع عن التصويت غير روسيا، لاعتبارات جيوسياسية مع غريمتها واشنطن، وتونس بسبب وعد من الجزائر بإقراضها 300 مليون دولار، في نهج سافر لدبلوماسية الابتزاز التي تمارسها الجزائر منذ عقود في قضية الصحراء.
ومن جهته، يرى الدكتور والأستاذ الجامعي الفرفار العياشي، في تصريح لـ”مجلة صناعة المغرب”، أن حجم المنجزات الكبرى التي حققها الملك محمد السادس لا يعني تجاهل حجم الاختلالات الكامنة و الموجودة في الواقع , و التي تشكل وجع نابع من الاحساس بالمسؤولية كأمانة على عاتقه، مشيرا إلى أن الخطاء الاخير للملك محمد السادس خلال ذكرى 23 من تربعه على عرش أسلافه كان عميقا رغم بساطته لأنه يحمل في طياته الكثير من المساحات البيضاء و التي تتيح فرصة تعدد القراءات وهو ما يعني انفتاحه اعلى اكثر من قراءة ما يستدعي تجاوز التحليل التبسيطي و الاختزالي.
وأكد الفرفار العياشي، أن الملك محمد السادس، وفي معظم المحطات التي عاشها المغرب كانت قوته في الجمع بين ما هو اقتصادي واجتماعي وقدرته على الحفاظ على الإجماع الوطني الايجابي ، الذي يوحد المغاربة، حول ثوابت الأمة ومقدساتها، والخيارات الكبرى للبلاد. و حدد ان الاجماع هو اجماع وظيفي يؤسس لمنطق الوحدة و التعاقد، في ظل التحولات العنيفة التي شهدها العالم العربي و التي مازالت تداعياته مستمرة من أخطرها أن اغلب الأنظمة الصلبة قد تبخرت و أن دول تعيش خارج منطق الدولة و اصبحت محكومة بمنطق القبيلة و الطائفة او حتى لوبيات المصالح .
وتابع قائلا:” الملك محمد السادس تمكن في توفير مناخ استثماري جاذب للإستثمارات العالمية في مجال صناعة السيارات.. لا احد ينكر حجم الانجازات و المشاريع المهيكلة لاسيما على مستوى البنيات التحتية ومنها : – ميناء طنجة المتوسط و الذي حول المغرب الى دولة رائدة في مجال النقل البحري – الطرق السيارة و التي اصبحت تربط اكثر من 70 في المئة من مدن المملكة – القطار السريع المشروع الاول افريقيا و عربيا – مشاريع انتاج الطاقة الشمسية – انجاز الكثير من المخططات الكبيرة في المجال الفلاحي و الصناعي و السياحي فالانتقال من 41 مليار الى 121 مليار دولار يعكس حجم التحول الاقتصادي و هو تحول يبرز قيمة النجاح على المستوى الماكرو اقتصادي , و انه نجاح له مبرراته لاسيما في ظل التحولات الخاصة باسعار الطاقة , مع استحضار ان المغرب دولة غير طاقية و مع ذلك حقق المغرب نجاحات اقتصادية تجد اساسها في حجم وقيمة الانتاج و المحددة في 121 مليار ودولار و كذا في انتعاش و اتساع دائة الثقة في مناخ الاستثمار بالمملكة .