المغرب يعزز موقعه في الصناعة الدفاعية من خلال شراكة استراتيجية مع مجموعة تاتا الهندية

0 64

يشهد المغرب في السنوات الأخيرة نهضة صناعية غير مسبوقة تهدف إلى تعزيز موقعه كقوة اقتصادية صاعدة في إفريقيا والعالم، ومن خلال استراتيجيات متعددة، يسعى المغرب إلى توطين الصناعات المتقدمة وجذب الاستثمارات الأجنبية في مجالات مثل السيارات، الطيران، والطاقة المتجددة.

هذه الرؤية الصناعية تأتي في إطار سياسة طويلة الأمد تهدف إلى تعزيز الاستقلالية الاقتصادية وتقليل الاعتماد على الواردات، مع خلق فرص عمل وتحفيز الابتكار المحلي. الصناعة الدفاعية، التي كانت تقليديا تعتمد بشكل كبير على الواردات، أصبحت الآن محورا أساسيا في هذه الاستراتيجية، مع توجه نحو تطوير صناعة محلية قوية تعتمد على الشراكات الدولية.

في هذا السياق، تأتي اتفاقية الاستثمار التي تم توقيعها يوم الجمعة 27 شتنبر 2024،  بين إدارة الدفاع الوطني المغربية ومجموعة “تاتا أدفانسد سيستمز لميتد” الهندية، كمثال واضح على هذا التوجه الاستراتيجي، إذ إن هذه الاتفاقية تعكس رؤية المغرب لتعزيز قدراته الدفاعية من خلال التصنيع المحلي، وتؤكد التزامه بتطوير بنيته التحتية الصناعية لتكون قادرة على المنافسة في السوق العالمية.

ويأتي هذا الاتفاق، الذي تم توقيعه تحت رعاية سامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، في سياق رؤية استراتيجية تهدف إلى تحديث القوات المسلحة الملكية، وتعزيز قدراتها العملياتية من خلال تطوير صناعة دفاعية وطنية قوية. يندرج هذا المشروع أيضًا ضمن المساعي المستمرة لتعزيز السيادة الوطنية، من خلال تقليل الاعتماد على الواردات وتحقيق الاكتفاء الذاتي في المعدات الدفاعية، لا سيما تلك المتعلقة بمعدات التنقل العسكرية.

التعاون المغربي-الهندي: شراكة استراتيجية في أوج نموها

التعاون الاستراتيجي بين المغرب والهند ليس بالأمر الجديد، لكنه شهد تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، خصوصًا مع تزايد أهمية القطاع الدفاعي في هذا التعاون. الاتفاقية الجديدة التي تم توقيعها بين المغرب ومجموعة تاتا تبرز الروابط التاريخية والعميقة بين البلدين، وكلاهما من الاقتصادات الصاعدة التي تشترك في رؤية مشتركة نحو تعزيز التعاون جنوب-جنوب في العديد من المجالات، أبرزها قطاع الدفاع.

هذا المشروع سيعزز العلاقة بين البلدين، ويعمل على إنشاء قطب إقليمي لإنتاج معدات التنقل الدفاعية. ويمثل مصنع “تاتا أدفانسد سيستمز – المغرب” خطوة كبيرة نحو تحقيق هذه الطموحات، حيث سيعمل على تلبية احتياجات المغرب الدفاعية المحلية مع فتح آفاق التصدير إلى الأسواق الإقليمية والدولية.

تحفيزات اقتصادية وتطوير منظومة الصناعة المغربية

لم تكن هذه الشراكة لتتحقق دون توفير حوافز قوية للمستثمرين. الاتفاقية تنص على حزمة من التدابير المالية، الضريبية، والجمركية التي تم تصميمها لدعم هذا الاستثمار الهام. تم التوقيع على هذه الاتفاقية بحضور الوزراء المسؤولين عن قطاعات الدفاع الوطني، الداخلية، المالية، الصناعة والاستثمار، إلى جانب ممثلين عن القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية والوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات.

يعتبر هذا المشروع جزءًا من جهود المغرب المستمرة لتطوير منظومته الصناعية، وتعزيز قدرته على إنتاج تكنولوجيا متقدمة بموارد محلية. يهدف المصنع الجديد إلى تحقيق نسبة إدماج محلي تصل إلى 50% عند اكتماله، وهو ما سيسهم في دعم الاقتصاد الوطني من خلال خلق فرص شغل جديدة. من المتوقع أن يوفر المشروع 90 منصب شغل مباشر و250 منصب غير مباشر، مما يعكس الالتزام بتوظيف الكفاءات المحلية وتعزيز القدرات الصناعية الوطنية.

المغرب في قلب صناعة الدفاع الإقليمية

مع توقيع هذه الاتفاقية، يضع المغرب نفسه في قلب الصناعة الدفاعية الإقليمية. الشراكة مع “تاتا أدفانسد سيستمز” تسهم في تعزيز قدرات المملكة التكنولوجية والدفاعية، وتجعل منها لاعبًا مهمًا في مجال التصنيع الدفاعي على المستوى الإقليمي والدولي. كما أن هذا المشروع سيساهم في تطوير شبكات التعاون بين المغرب ودول أخرى في جنوب الكرة الأرضية، بما يعزز مكانته كقطب صناعي صاعد.

يأتي هذا التوجه في إطار رؤية المغرب الاستراتيجية التي تهدف إلى تنويع مصادر دخل الاقتصاد الوطني من خلال تطوير صناعات جديدة، مثل الصناعات الدفاعية. يعتمد المشروع بشكل كبير على الموارد المحلية، وهو ما يعزز مكانة المملكة كمركز للتطوير والإنتاج الصناعي في شمال إفريقيا. كما أن الاستثمارات في هذا القطاع تعكس رغبة المغرب في تحقيق استقلالية استراتيجية، وتقليل الاعتماد على الواردات في مجال الدفاع.

الرؤية المستقبلية: تعزيز القدرات الدفاعية وتطوير الموارد المحلية

يمثل هذا المشروع جزءًا من خطة أوسع لتعزيز القدرات الدفاعية المغربية. يتوقع أن يتم استكماله خلال 36 شهرًا، مع تحقيق معدل إدماج محلي يبدأ بنسبة 35% ويصل إلى 50% عند استكماله. هذه الأرقام تعكس حجم الطموح الكبير الذي تحمله هذه الشراكة، وتبرز الجهود المستمرة لتحسين وتطوير قدرات التصنيع المحلية في قطاع الدفاع.

كما أن هذا المشروع يفتح آفاقًا واعدة للمستثمرين المهتمين بالقطاع الدفاعي في المغرب. ومن خلال استغلال الموارد المحلية وتوفير يد عاملة مؤهلة، تسعى المملكة إلى تحويل هذا المشروع إلى نموذج ناجح يعزز من مكانتها كفاعل رئيسي في صناعة الدفاع العالمية.

تأتي هذه الاتفاقية في وقت حساس يواجه فيه المغرب تحديات متزايدة في مجال تعزيز استقلاليته الاستراتيجية، ويعزز من خلالها مكانته كقوة إقليمية صاعدة في مجال التصنيع الدفاعي. من خلال شراكته مع مجموعة “تاتا” الهندية، يضع المغرب نفسه على خريطة الصناعة الدفاعية العالمية، مع استشراف آفاق مستقبلية واعدة في هذا المجال.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.