المغرب يعزز أمنه المائي عبر مشاريع ضخمة للسدود والتحلية
يواصل المغرب بخطى ثابتة تنفيذ واحدة من أضخم الاستراتيجيات المائية في القارة الإفريقية، في مسعى لتعزيز أمنه المائي وضمان استدامة موارده الحيوية في مواجهة تحديات الجفاف وتغير المناخ.
فمنذ عقود، اختار المغرب سياسة السدود الكبرى كخيار استراتيجي لضمان التزود المستمر بالمياه والطاقة، وهو ما جعل المملكة من أبرز النماذج الإفريقية في الإدارة المتكاملة للموارد المائية.
اليوم، تتسارع وتيرة الأشغال في عدد من المشاريع المهيكلة المنتشرة عبر التراب الوطني.
ففي شمال أكادير، بلغت أشغال سد تامري مرحلة متقدمة بنسبة 76%، بطاقة تخزين تقدر بـ204 ملايين متر مكعب. وفي الجنوب، يقترب سد الساقية الحمراء بالعيون من الاكتمال بنسبة إنجاز تصل إلى 87%، ما سيعزز قدرات المنطقة على مواجهة ندرة المياه.
أما في الشرق، فتسير أشغال تعلية سد محمد الخامس بإقليم تاوريرت نحو الانتهاء، لتضاعف حقينته إلى ما يقارب المليار متر مكعب، فيما تشهد مشاريع أخرى تقدماً متفاوتاً، من بينها سد بولعوان بشيشاوة وسد تارگة أومادي بجرسيف وسد سيدي عبو بتاونات الذي شارف على الاكتمال بنسبة 97%.
وتضم المملكة حالياً أكثر من 150 سداً كبيراً بطاقة تخزينية تتجاوز 20 مليار متر مكعب، على أن يرتفع العدد إلى أزيد من 200 سد بحلول سنة 2030، ضمن رؤية تسعى لرفع القدرة التخزينية الوطنية إلى أكثر من 24 مليار متر مكعب.
وتواكب هذه المشاريع خطة طموحة تشمل تحلية مياه البحر والربط بين الأحواض المائية، لضمان توزيع عادل ومستدام للمياه بين الجهات، خاصة بين الشمال الغني بالمياه والمناطق الجنوبية الأكثر جفافاً.
ولا يقتصر دور هذه البنيات على توفير مياه الشرب والسقي فقط، بل تمتد فائدتها إلى إنتاج الطاقة الكهرمائية النظيفة، وتقليص مخاطر الفيضانات، وحماية المدن والقرى من الانعكاسات المناخية القاسية.
وقد أصبحت السدود المغربية ركيزة أساسية في التحول الطاقي الأخضر للمملكة، إذ تساهم محطاتها الكهرمائية في دعم الشبكة الوطنية بطاقة متجددة تقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري، في انسجام تام مع التزامات المغرب البيئية.
ورغم ما تحقق من إنجازات كبرى، لا تزال التحديات قائمة، خاصة مع تراجع التساقطات وارتفاع درجات الحرارة التي تزيد من معدلات التبخر وتضغط على المخزون المائي الوطني. غير أن المغرب يواجه هذه التحديات عبر سياسات استباقية للحفاظ على الموارد المائية، تشمل تحديث شبكات التوزيع، وتشجيع التقنيات المقتصدة للمياه في الفلاحة والصناعة.
وبفضل هذا النهج الشمولي الذي يجمع بين البنية التحتية الصلبة والرؤية البيئية المستدامة، يواصل المغرب ترسيخ مكانته كنموذج إفريقي في تدبير المياه، وقدرة على تحويل الندرة إلى فرصة لبناء مستقبل مائي آمن للأجيال القادمة.