استيراد النفايات غير الخطرة أي دور لتعزيز الاستدامة البيئية في المغرب

0 211

في الآونة الأخيرة، شهد المغرب جدلا واسعا حول موضوع استيراد النفايات غير الخطرة، حيث تم تداول معلومات وانتقادات عبر منابر إعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، مستهدفة الجهات الإدارية والحكومية المسؤولة عن تدبير قطاعي الطاقة والبيئة.

ومن أجل توضيح الحقائق وتقديم صورة شاملة حول أهمية استيراد هذه النفايات للاقتصاد الوطني، ودورها في تعزيز الاقتصاد الدائري وحماية البيئة، أصدرت وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة تفاصيل جوهرية حول الموضوع.

إطار قانوني صارم وتنظيم محكم

شددت وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، على أن عمليات استيراد النفايات غير الخطرة في المغرب تخضع لإطار قانوني صارم، يضمن أن هذه العمليات تتم وفقاً للمعايير الدولية والمحلية التي تحمي البيئة والصحة العامة. حيث ينظم استيراد هذه النفايات بموجب بنود اتفاقية بازل الأممية، التي وقع عليها المغرب وصادق عليها، بالإضافة إلى القوانين الوطنية مثل القانون رقم 00-28 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها.

وفقا لهذه النصوص القانونية، أوضحت الوزارة، أن استيراد النفايات غير الخطرة يتطلب الحصول على تراخيص من الجهات المختصة، بناءً على إجراءات دقيقة وصارمة تشمل تقديم وثائق تقنية وتحاليل فيزيائية وكيميائية تثبت أن هذه النفايات غير مضرة بالبيئة أو بالصحة العامة. ومنذ عام 2016، تم منح 416 ترخيصًا للشركات التي تستورد النفايات غير الخطرة بهدف تثمينها في العمليات الصناعية أو الطاقية.

ويركز المغرب في استيراد هذه النفايات على الدول الأوروبية التي تتميز بأنظمة فرز ومعالجة متطورة، مما يضمن أن النفايات المستوردة تتمتع بجودة عالية وغير ضارة. وعلى الرغم من الضجة الإعلامية التي أثيرت حول استيراد النفايات، فإن المغرب يعد من بين الدول التي تحصل على نسبة ضئيلة من حصة النفايات المستوردة مقارنة بدول أخرى ذات اقتصادات مشابهة.

دور النفايات غير الخطرة في تعزيز الاقتصاد الدائري

يعتبر الاقتصاد الدائري أحد المفاهيم الحديثة التي تسعى إلى تقليل الهدر وتعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة. ويعد استيراد النفايات غير الخطرة جزءًا من هذا النظام، حيث تُستخدم هذه النفايات كمادة أولية أو تكميلية في مجموعة من الصناعات المغربية.

على سبيل المثال، يتم إعادة تدوير النفايات البلاستيكية والحديدية والعجلات المطاطية الممزقة لتُستخدم في صناعة الأنابيب البلاستيكية الخاصة بالسقي بالتنقيط، والصناديق البلاستيكية، وحتى في إنتاج الطاقة البديلة في أفران معامل الإسمنت. هذه العملية لا تساهم فقط في تقليل استهلاك المواد الخام المستوردة من الخارج، بل تساهم أيضًا في تقليل الانبعاثات الضارة الناتجة عن استخدام الوقود الأحفوري.

من ناحية أخرى، يعتبر استيراد النفايات غير الخطرة عملية مربحة وغير مكلفة للفاعلين الاقتصاديين. فعلى الرغم من التكلفة المبدئية المرتبطة بعملية الاستيراد، فإن استخدام هذه النفايات في عمليات التصنيع أو التثمين الطاقي يحقق فوائد اقتصادية كبيرة من خلال تقليل تكلفة الإنتاج وزيادة كفاءة الموارد.

فوائد اقتصادية واجتماعية متعددة

يمثل استيراد النفايات غير الخطرة وتثمينها إحدى الركائز المهمة لدعم الاقتصاد الوطني. فبجانب الدور البيئي، يسهم هذا النشاط في تعزيز الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الدائري بالمغرب، من خلال خلق فرص عمل جديدة وتحسين الميزان التجاري.

وتُشير التقديرات إلى أن استيراد وتثمين النفايات غير الخطرة يوفر أكثر من 9500 وظيفة مباشرة وغير مباشرة في الصناعات الحديدية، ومن المتوقع أن يصل عدد فرص العمل في هذا القطاع إلى 60,000 بحلول عام 2030.

إلى جانب ذلك، يسهم استيراد هذه النفايات في تحسين الميزان التجاري للمغرب من خلال تقليل الاعتماد على المواد الخام المستوردة، حيث يُستخدم جزء كبير من هذه النفايات كبديل لمواد أولية مكلفة أو نادرة. كما يسهم استخدام العجلات المطاطية الممزقة كوقود بديل في معامل الإسمنت في تخفيض الفاتورة الطاقية بنسبة تزيد عن 20 دولارًا لكل طن من الوقود الأحفوري، مما يخفف من الضغط على العملة الصعبة.

علاوة على ذلك، فإن استخدام النفايات غير الخطرة في عمليات التصنيع يساهم في تقليل انبعاثات الملوثات الهوائية والغازات الدفيئة، مما يعزز من جودة الهواء ويحافظ على البيئة. فوفقًا للدراسات، يُسهم استخدام هذه النفايات في تقليل انبعاثات بعض الملوثات الضارة بنسبة ملحوظة، مقارنة باستخدام الوقود الأحفوري التقليدي.

الاستدامة والابتكار في تدبير النفايات

لا يقتصر دور استيراد النفايات غير الخطرة على الفوائد الاقتصادية والبيئية فحسب، بل يمتد إلى تعزيز الابتكار والاستدامة في مختلف القطاعات الصناعية. إذ يسعى المغرب إلى تبني ممارسات مستدامة في تدبير النفايات من خلال تطوير تقنيات جديدة لإعادة التدوير والتثمين، بما يعزز من تنافسية الصناعات الوطنية ويساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

في هذا السياق، تمثل سلاسل تثمين النفايات غير الخطرة جزءًا من استراتيجية وطنية تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الأخضر وتقليل الاعتماد على الموارد غير المتجددة. وتشمل هذه السلاسل 13 مجالًا مختلفًا، تمتلك إمكانات كبيرة لخلق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، من خلال تحسين الميزان التجاري وخلق فرص عمل جديدة.

ويمثل استيراد النفايات غير الخطرة في المغرب جزءًا من رؤية استراتيجية تهدف إلى تحقيق توازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة. ورغم الانتقادات المتداولة، يبقى المغرب ملتزما بتطبيق معايير صارمة تضمن سلامة هذه العمليات وتحقيق الفوائد القصوى للاقتصاد والمجتمع على حد سواء.

وفي ظل هذه الرؤية، يسعى المغرب إلى تعزيز دوره كدولة رائدة في مجال الاقتصاد الدائري والاستدامة، من خلال الاستفادة المثلى من الموارد المتاحة وتحقيق تنمية مستدامة تضمن الرفاهية للأجيال القادمة.

الباحثة أميمة خليل الفن : استيراد النفايات التزام ومعايير بيئية

أكدت أميمة خليل الفن، الباحثة المتخصصة في الهندسة البيئية والتنمية المستدامة، أن المغرب ملتزم باتفاقية بازل الخاصة بتنظيم استيراد وتصدير النفايات الخطيرة بين الدول، والتي تُعد من أهم الاتفاقيات الدولية في هذا المجال. وتضم هذه الاتفاقية 175 دولة مصادقة عليها، إضافة إلى 60 دولة موقعة عليها، والمغرب يعتبر من بين الدول التي التزمت بتنفيذ هذه الاتفاقية عبر ظهير شريف صدر لهذا الغرض.

وأوضحت خليل الفن في تصريح خصت به مجلة صناعة المغرب، أن المغرب يلتزم باستيراد النفايات غير الخطيرة فقط من الدول الأوروبية، مشددة على ضرورة التركيز على هذه النقطة الأساسية.

وأشارت إلى أن هذه النفايات تُستخدم كبديل للوقود الأحفوري في الصناعات الكبرى، مثل مصانع الإسمنت هولسيم.

وأضافت أن المغرب لديه تجربة ناجحة في مجال إعادة تدوير النفايات، حيث يتم تجميع النفايات التي يمكن تدويرها مثل البلاستيك، الكرتون، والحديد، ثم استخدامها كوقود بديل في الصناعات التي تتطلب درجات حرارة عالية. وبيّنت أن هذه العملية تتم سنويًا منذ عام 2001، بعد دخول اتفاقية بازل حيز التنفيذ في المغرب.

وفي سياق آخر، تناولت خليل الفن الجدالات السياسية التي تثار حول استيراد النفايات، مشيرة إلى أن هذه المسألة يتم طرحها في مناسبات ذات طابع سياسي. مؤكدة على أن المغرب يستورد نفايات غير خطيرة بشكل قانوني ووفقًا للاتفاقيات الدولية المعمول بها.

وأكدت أيضًا أن هناك فرقًا كبيرًا بين النفايات الخطيرة وغير الخطيرة، مشددة على أن النفايات الخطيرة يجب معالجتها في الدول التي تنتجها ولا يمكن نقلها وفقًا للقوانين الدولية.

وأشارت خليل الفن إلى ضرورة توخي الحذر في تصنيف النفايات والتأكد من أنها غير خطيرة قبل استيرادها، وإنهاء ما يثار من الشكوك حول مدى خطورة هذه النفايات.

وأشارت المتحدثة داثها على أهمية أن تكون النفايات المستوردة من أوروبا نظيفة ومفروزة، ما يجعلها صالحة للاستخدام كوقود بديل وفعال.

كما تناولت الباحثة مسألة الالتزام بالمعايير البيئية، مؤكدة أن المغرب يسعى لاحترام هذه المعايير في عملية تدوير واستخدام النفايات المستوردة. وشددت على أن هذه العمليات تأتي في إطار ما يُسمى بالاقتصاد الدائري، الذي يهدف إلى تقليل الفاقد وإعادة استخدام الموارد بشكل مستدام.

وشددت الباحثة المتخصصة في الهندسة البيئية والتنمية المستدامة على ضرورة التمييز بين النفايات الخطيرة وغير الخطيرة في أي عمليات استيراد، مشددة على أهمية الشفافية والتأكد من سلامة النفايات المستوردة، وعدم وجود أي مخاطر بيئية مرتبطة بها.

رشيد محمودي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.