ارتفاع الطلب على الديزل والكيروزين يقود طفرة استثمارية في الطاقة بإفريقيا
تشهد القارة الإفريقية حركية غير مسبوقة في قطاع الطاقة، في ظل توقعات بارتفاع الطلب على الديزل بنسبة 50 في المئة، وعلى الكيروسين بما يقارب 65 في المئة في أفق سنة 2050.
هذا التحول المرتقب يفسّر موجة المشاريع الجديدة في مجال التكرير وإعادة تأهيل الوحدات القائمة، في وقت تتجه فيه القارة نحو بناء منظومة طاقية أكثر قدرة على تلبية حاجياتها المتزايدة.
وفي سياق دولي متوتر، يسجل منتدى مجموعة العشرين الذي تستضيفه جنوب إفريقيا تحولات متسارعة، مع تأكيد حضور بعض القادة وغياب آخرين، أبرزهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي اتُّخذ غيابه شبه «مقاطعة»، إضافة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية.
كما تأكد غياب الرئيس الصيني شي جين بينغ عن قمة بريتوريا المرتقبة في 22 نونبر 2025. ورغم ذلك، يَعِد المنتدى، المنعقد تحت شعار «التضامن والمساواة والاستدامة»، بطرح قرارات حاسمة تتعلق بأعباء الديون وتمويل التكيف المناخي ودعم النمو الشامل.
وفي 21 نونبر، تتحوّل جوهانسبرغ إلى منصة رئيسية للنقاش حول مستقبل الاستثمار الطاقي في القارة، عبر منتدى تنظمه غرفة الطاقة الإفريقية، يجمع حكومات ومستثمرين ومؤسسات مالية لبحث سبل تعزيز الاستثمارات الكبرى وتحسين وتيرة الانتقال الطاقي.
وتُقدّر غرفة الطاقة الإفريقية حاجة القارة إلى ضخ 20 مليار دولار في البنيات التحتية الطاقية بحلول 2050، لتطوير قطاع النفط والغاز ومنظومات النقل والتكرير والتسويق. ويهدف هذا التوجه إلى بناء سلاسل قيمة محلية تقلّص الاعتماد على الاستيراد وتعزز الأمن الطاقي.
ومع توقع بلوغ الطلب على المنتجات المكررة 6 ملايين برميل يوميا في 2050، مقابل 4 ملايين فقط سنة 2024، فإن الاستثمارات الضخمة في معامل التكرير وشبكات الأنابيب والتخزين باتت ضرورة ملحة لإعادة تشكيل الخرائط الاقتصادية الجهوية، خاصة مع الارتفاع المستمر في عدد السكان واتساع النشاط الصناعي والخدماتي.
وتشير غرفة الطاقة إلى تسارع غير مسبوق في عدد وحجم المشاريع، ما يجعل قطاع الطاقة أولوية لدى العديد من بلدان القارة. ويتوقع أن يصل استهلاك البنزين إلى 2.2 مليون برميل يوميا، بينما سيتضاعف تقريباً استهلاك الديزل، وستقفز حاجيات الكيروسين ووقود الطائرات إلى 465 ألف برميل يوميا بحلول 2050.
ويبرز تقرير «حالة الطاقة في إفريقيا 2026» الحاجة الملحة لاستثمارات بقيمة 20 مليار دولار لتطوير البنية التحتية. كما يراهن على منتدى مجموعة العشرين ليكون جسراً بين رساميل دولية والمشاريع الإفريقية في التحويل الطاقي. وتشهد القارة اليوم مشاريع رائدة في التكرير تحمل آثاراً اقتصادية كبرى.
وفي نيجيريا، تمثل مصفاة «دانغوتي» — الأكبر في إفريقيا بطاقة 650 ألف برميل يومياً مع خطط توسعة تصل إلى 1.4 مليون — نقطة تحول استراتيجية نحو تقليص اعتماد البلاد على الواردات التي تغطي أكثر من 80% من استهلاكها.
وفي أنغولا، يسير العمل بوتيرة متقدمة لإرساء منظومة تكريرية متكاملة، تشمل مصفاة كابيندا الجديدة (30 ألف برميل يومياً) ومصنع لوبيتو (200 ألف) ومصفاة سويو (100 ألف)، لتعزيز الاكتفاء الذاتي وتنويع مصادر الدخل الوطني.
أما السنغال، فتطمح عبر مشروع مصفاة ثانية ووحدة بتروكيماوية إلى رفع قدرة التكرير خمس مرات لتصل إلى 5 ملايين طن سنويا، في مشروع يجعل البلاد مركزا صناعيا واعداً.
وفي الكونغو، تقترب مصفاة «فوتا» من الانتهاء بطاقة 2.5 مليون طن في السنة، بينما تعيد جنوب إفريقيا تأهيل مصفاة «سابريف» في ديربان لترفع طاقتها إلى 600 ألف برميل يومياً، بما يعزز الاستقلال الطاقي الجهوي ويقلّص تكلفة اللوجستيك.
وفي موازاة ذلك، تكتسي مشاريع الأنابيب دوراً محورياً في التكامل الاقتصادي. فخط الغاز بين نيجيريا والمغرب، بقيمة 25 مليار دولار، سيمتد عبر 13 دولة وصولا إلى أوروبا، ليصبح ممراً حيوياً للطاقة في غرب إفريقيا.
كما يعزز خط الغاز الرابط بين نيجيريا وغينيا الاستوائية تجارة الغاز الطبيعي المسال، فيما يتيح خط النفط بين أوغندا وتنزانيا منفذاً بحرياً لبلد لا يملك سواحل. أما مشروع الكونغو – روسيا فيربط حقول النفط الكونغولية مباشرة بالأسواق العالمية.
وتُعد هذه المشاريع — سبع مصافٍ جديدة وأربعة خطوط أنابيب كبرى — مؤشراً على تحول جذري في البنية الطاقية الإفريقية، وإرساءً لجيوسياسية جديدة يقوم فيها التكامل الطاقي بدور محوري. وتتيح هذه البنية تخفيض تكاليف النقل بين الدول بنسبة 15 إلى 30 في المئة وتعزيز تنافسية القارة في ظل اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية.
وستسمح هذه الطفرة الاستثمارية بتوفير أكثر من 30 مليار دولار تهدر سنوياً على استيراد المحروقات، ما يحرّر موارد مالية ضخمة يمكن توجيهها نحو التعليم والصحة والبنيات التحتية. كما تسهم المجمعات البتروكيماوية الجديدة في خلق قيمة مضافة عالية وفرص شغل مؤهّلة، وتفتح أسواقاً صناعية جديدة.
غير أن هذا الزخم يخفي هشاشات مهمة، أهمها محدودية التمويل الوطني، وتقلب الالتزامات الخارجية، وتزايد المخاطر الجيوسياسية. ويحذر إن جِي أيوك، الرئيس التنفيذي لغرفة الطاقة الإفريقية، من أن «إفريقيا لا يمكنها بناء مستقبل طاقي آمن طالما بقيت رهينة الوقود المستورد». وهو تحذير يعيد التأكيد على ضرورة تثمين الموارد المحلية وتقليص التبعية.
وتطرح هذه الدينامية تحولات استراتيجية للاقتصادات الإفريقية: من تقليص الدعم العمومي بفضل الإنتاج المحلي، إلى فتح أسواق جديدة أمام الصناعيين، وصولاً إلى فرص استثمار عالية العائد في الأصول الطاقية الكبرى.
ويبقى نجاح هذه الرهانات مرهوناً بتفعيل صارم لخطط غرفة الطاقة، وتجنب الهفوات التي رافقت مشاريع سابقة، مثل تجاوز التكاليف وتعثر التنفيذ. وفي النهاية، ستُقاس النتائج بمدى اقتراب القارة من تحقيق سيادتها الطاقية المنشودة.




