يواصل مشروع أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي، الذي يربط بين نيجيريا والمغرب، تقدمه بشكل ملحوظ، مما يعكس الرؤية الاستراتيجية والمتبصرة التي تجمع بين قيادتي البلدين. هذا المشروع الذي يمثل تجسيداً عملياً للتعاون جنوب-جنوب يهدف إلى تعزيز التكامل الاقتصادي والاجتماعي في القارة الإفريقية، مع تحقيق آثار إيجابية تمتد إلى أوروبا.
أمينة بنخضرة، المديرة العامة للمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، أكدت يوم الجمعة 30 غشت، في تصريح لها على هامش ورشة عمل إقليمية بأبيدجان، أن مشروع أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي يحقق تقدماً “إيجابياً للغاية”، وهو ما يعكس التزام جميع الدول المعنية بإنجاح هذا المشروع الكبير. الورشة التي انعقدت بين 27 و30 أغسطس 2024، ركزت على دراسة والمصادقة على الاتفاق الحكومي الدولي واتفاقية البلد المضيف، وهي خطوة حاسمة في تنفيذ المشروع.
يستمد هذا المشروع أهميته الاستراتيجية من كونه يتجاوز مجرد نقل الغاز الطبيعي، ليصبح محركاً رئيسياً لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في غرب إفريقيا. بنخضرة أوضحت أن المشروع ينبع من رؤية جلالة الملك محمد السادس والرئيس النيجيري السابق، محمدو بخاري، ويواصل دعمه الرئيس النيجيري الحالي، بولا تينوبو. وأضافت أن المشروع يهدف إلى تعزيز وصول دول المنطقة إلى الطاقة، خاصة في ظل معدلات كهربة منخفضة في بعض الدول، حيث تقل عن 40%.
إلى جانب توفير الطاقة، يسعى مشروع أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال تحفيز الصناعات المختلفة، خصوصاً قطاع التعدين، الذي يعزز بدوره استغلال الموارد المعدنية الغنية في هذه الدول. وتؤكد بنخضرة أن المشروع سيساهم في تحقيق النمو المستدام وخلق فرص عمل، مما يسهم في استقرار الشباب في المنطقة، وهو هدف محوري لتقليل الهجرة وتحسين جودة الحياة في هذه الدول.
من الجوانب الأساسية التي يشملها المشروع، هو مساهمته في تعزيز التكامل الإقليمي في إفريقيا، حيث تعاني القارة من نقص الاندماج مقارنة بمناطق أخرى في العالم. ومن المتوقع أن يسهم أنبوب الغاز في توطيد الروابط الاقتصادية بين الدول الإفريقية، مما يعزز قدرتها على التنافس عالمياً.
لم يقتصر المشروع على أهدافه الإفريقية فحسب، بل يفتح أيضاً آفاقاً جديدة للتعاون بين القارتين الإفريقية والأوروبية. حيث سيمكن من تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا، ما يقلل من اعتماد هذه القارة على مصادر الطاقة التقليدية، ويتيح تنويع مصادر الإمداد بالغاز، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها أوروبا في تأمين احتياجاتها من الطاقة.
وفي هذا السياق، رحبت بنخضرة بانعقاد ورشة العمل في أبيدجان، التي جمعت خبراء وممثلين من 13 دولة مشاركة في المشروع. وأشارت إلى أن هذا الاجتماع يأتي في إطار تقدم المشروع، حيث تمت مناقشة الجوانب الفنية والإدارية للاتفاقيات اللازمة لتنفيذ المشروع. وقالت: “نحن سعداء بحضور خبراء وممثلين من جميع البلدان المعنية، مما يدل على استعدادهم والتزامهم بالمساهمة في تنفيذ وإنجاز مشروع استراتيجي ومهيكل مثل أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي”.
كما أشارت بنخضرة إلى أهمية الاتفاق الحكومي الدولي في تحديد شروط إدارة وحوكمة المشروع، مما يضمن تنسيق الجهود بين جميع الدول المعنية. وأكدت أن هذا الاتفاق كان قيد الإعداد لأكثر من سنة بالتعاون مع شركة النفط الوطنية النيجيرية، وشهد عدة ورشات عمل في الرباط ومراكش طوال سنتي 2023 و2024.
وأفادت بنخضرة تصريحها بالإشارة إلى الدور البارز الذي تلعبه المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (سيدياو) في المشروع، مشيرة إلى أن المناقشات وصلت إلى مراحلها النهائية بفضل التعاون الوثيق بين الدول المعنية. ومن المتوقع أن يشكل هذا المشروع نموذجاً ناجحاً للتعاون الإقليمي، مع تأثيرات إيجابية تمتد إلى استقرار ونمو المنطقة بأكملها.
يمثل مشروع أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي خطوة هامة نحو تحقيق التكامل الإقليمي في إفريقيا، وتعزيز مكانة القارة كلاعب رئيسي في سوق الطاقة العالمي. بفضل هذا المشروع، سيشهد القارة الإفريقية تحسناً ملحوظاً في تأمين احتياجاتها من الطاقة، مع توفير فرص اقتصادية جديدة تسهم في تحقيق التنمية المستدامة، ليس فقط في إفريقيا ولكن أيضاً في أوروبا.