انطلقت اليوم الاثنين بالدار البيضاء أشغال القمة المالية الإفريقية 2025، التي تحولت إلى منصة حوار رفيعة المستوى حول مستقبل التمويل في القارة السمراء، حيث شدد المتدخلون على أن الطريق نحو السيادة الاقتصادية الإفريقية يمر عبر تحرير المدخرات المحلية، ودمج الأسواق، وتعزيز الثقة بين الفاعلين الاقتصاديين.
وخلال ندوة محورية بعنوان «الهندسة العالمية الجديدة: إلى أين يمكن أن تتجه إفريقيا للحصول على التمويلات التي تحتاجها؟»، أجمع المشاركون على أن القارة تتوفر على قدرات مالية ضخمة غير مستغلة بعد، وأن تعبئتها بشكل منسق تمثل شرطاً أساسياً لتحقيق التنمية المستقلة والمستدامة.
في هذا الإطار، لفتت نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية، الانتباه إلى أن إفريقيا لا تعاني من ندرة الموارد بقدر ما تواجه صعوبات في تحويل مدخراتها إلى استثمارات إنتاجية. وأشارت إلى أن هذا الضعف يرتبط بثلاثة عوائق رئيسية: تجزؤ الأسواق، وتعدد العملات، وهشاشة الإطار المؤسسي، وهي عوامل تدفع الرساميل الإفريقية إلى مغادرة القارة بدل استثمارها داخلها.
وأكدت الوزيرة أن تجاوز هذه التحديات يقتضي إرادة سياسية لتوحيد الأطر المالية والتنظيمية، إلى جانب خلق حوافز تشجع البنوك وصناديق التقاعد على الاستثمار في السندات السيادية والمشاريع الكبرى داخل القارة، بما يعزز الثقة ويوفر عمقاً مالياً أكبر للأسواق الإفريقية.
من جانبه، أبرز Ethiopis Tafara نائب رئيس مؤسسة التمويل الدولية لإفريقيا، أن جودة التمويل أهم من كميته، معتبراً أن رأس المال المحلي هو القاعدة الأساسية لتحقيق التنمية والسيادة المالية، داعياً إلى مراجعة القواعد التنظيمية التي تدفع صناديق التقاعد والتأمين إلى استثمار أموالها خارج القارة.
وأكد Tafara أن المؤسسة التي يمثلها تعمل على دعم مؤسسات مالية إفريقية قوية قادرة على مواكبة التحولات الكبرى، خصوصاً في مجالات مثل الصحة والبنية التحتية والتعليم، لضمان تنمية مستدامة وشاملة.
أما Jeremy Awori، المدير العام لمجموعة “إيكوبانك ترانسناشيونال”، فقد قدم مثالاً عملياً على التحول الرقمي الذي يشهده القطاع المالي الإفريقي، مبرزاً أن مجموعته تعمل بشراكة مع شركة غوغل على تسخير الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات لتسريع قرارات منح القروض وتوسيع التمويل الموجه للمقاولات الصغرى والمتوسطة.
وأوضح Awori أن هذا التحول مكن من تنفيذ المعاملات المالية بالزمن الحقيقي في 34 بلداً إفريقياً، ما يسهل المبادلات التجارية بالعملات المحلية ويقرب الخدمات المالية من الفاعلين الاقتصاديين.
من جهته، شدد Herbert Wigwe Aig-Imoukhuede، رئيس مجموعتي Access Holdings وCoronation Group، على ضرورة أن تنبع حلول القارة من داخلها، معتبراً أن الاعتماد على الذات هو السبيل لترسيخ السيادة الاقتصادية والمالية في إفريقيا.
في الاتجاه نفسه، أوضح Jules Ngankam، المدير العام لمجموعة African Guarantee Fund، أن ضعف البيانات الاقتصادية ومحدودية الضمانات المالية يمثلان عائقين أساسيين أمام تمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة، داعياً إلى بناء منظومات مالية أكثر شفافية وإلى توسيع أدوات الضمان لتقليص مخاطر الائتمان.
وتعرف القمة المالية الإفريقية، التي تنظمها مجموعة “جون أفريك ميديا” بشراكة مع مؤسسة التمويل الدولية وبدعم من كبرى المؤسسات المالية المغربية والإفريقية، مشاركة أزيد من 1250 من قادة المنظومة المالية في القارة، من بينهم مصرفيون ومبتكرون في التكنولوجيا المالية وخبراء في أسواق الرساميل وصناع قرار من إفريقيا وخارجها.
وتنعقد القمة، الممتدة إلى غاية 4 نونبر، تحت شعار «رأسمالنا، قوتنا: فلنحرر السيادة المالية لإفريقيا»، متناولة ستة محاور كبرى تتوزع بين الاستقرار الاقتصادي، والمصرفية التجارية، وأسواق الرساميل، والتمويل المستدام، وقطاع التأمين، والرقمنة المالية، في أفق بلورة رؤية مشتركة لمستقبل التمويل الإفريقي.




